مِنْ أجل ذلك تسعى طهران للإبقاء على الأسد

محمد عبد الرازق

يروي أحمد زكي يماني ( وزير النفط السعودي الأسبق )  في مذكراته قصة غراس العنب التي أراد أن يأتي بها من إيران لتكون في مزرعته في الرياض، و ذلك أنها اشتهرت بصنف منه لا يوجد في الدول الأخرى، و قد جعل الشاه أمر إخراج هذه الغراس ضمن صلاحياته. و لمَّا أرسله الملك فيصل لتنسيق المواقف مع طهران لوقف تصدير النفط إلى الغرب أيام حرب تشرين؛ وجدها فرصة سانحة للحديث مع الشاه حتى يحصل على بعض منها، و كان له ما أراد؛ بيدَ أن المفاجأة فيها أنها قضت جميعها، و ذلك أنها عولجت بطريقة تجعلها تموت بعد الغرس.

و يعزو الوزير هذا الأمر إلى صفة البخل التي تسود المجتمع الإيراني. و هي صفة عرفت عنهم، و كتب عنها الجاحظ في معرض رده على الشعوبيين.

و يذكر عدد من المسؤولين السودانيين مصير الاتفاقيات العشر التي وقعوها مع الجانب الإيراني عقب قيام ثورة الإنقاذ، و لم تنفذ منها إيران غير اتفاقية التبادل الثقافي؛ فأغرقت الشارع السوداني بمئات العناوين التي تدعو للتشيع. في الوقت الذي كان فيه السودان يرزح تحت ضائقة نفطية خانقة، و كانت ناقلات النفط الإيراني تقف في عرض البحر الأحمر، و لا تتجه لإفراغ حمولاتها في ميناء بور سودان إلاَّ بعد أن تقبض ثمنه نقدًا من حكومة الإنقاذ المفلسة في حينها.

و الأمر ذاته تكرر مع الدول العربية الأخرى التي أقامت معها إيران اتفاقيات تعاون، و تبادل خبرات؛ حيث كانت في مجملها تنصب حول التبشير بالمذهب. فما من دولة، أو جهة مدت لها طهران يد العون و المساعدة إلاَّ و كانت تحمل لها في يدها الأخرى مخططًا لبناء ( حُسينية ) على أراضيها؛ لتصدير الثورة، و نشر المذهب. و الشواهد على ذلك أكثر من الحصر و العدّ، و دونكم مثلاً على ذلك ما كان في غزة التي لا تشوبها شائبة طائفية إطلاقًا.

و بالطبع فإن سورية تأتي في صدارة اهتماماتها؛ لجملة من الأمور، منها ما هو جيوسياسي، و منها ما هو ديني، و منها ما هو اقتصادي. لقد أضحت سورية محافظة فارسية بامتياز، و أصبحت إيران تتدخل في تفاصيل الأمور، و قد أظهرت الرسائل المسربة في موقع ( ويكيلكس ) مدى ذلك، حتى وصلت الحال إلى التدخل في التعيينات الحكومية.

لقد شرَّع النظام، و لا سيما في عهد الابن الأبواب في وجه المخططات الإيرانية، و أخطر ما كان من ذلك هو غض الطرف؛ لا بل المساعدة في نجاحهم للتبشير بالمذهب في أوساط السوريين بشكل أثار الدهشة و الاستغراب، مستغلين في ذلك مشاعر التعاطف مع آل البيت عندهم، فضلاً على الحالة المادية الضيقة لدى شرائح منهم في المناطق الفقيرة. و لا يغيب عن البال ما كان منهم مع شريحة السائقين، و متدني التعليم الذين كانوا يشجعونهم للسفر إلى طهران، و يقدمون لهم الإغراءات، و المُتع قبل، و بعد وصولهم إلى طهران.

لقد مكَّن لهم الأسد ( الأب ) بشكل جعل الناس تخشى الحديث عمَّا يقومون به، و الناس تذكر في أيامه ثلاثة أمور يُجرَّم الخوض فيها، و يرى فيها السوريون تناقضًا مع مبادئ البعث القومية:

1ـ العلاقة مع إيران.

2ـ الموقف من الحرب العراقية الإيرانية.

3ـ طريقة التعاطي مع الملف اللبناني.

و في عهد ( الابن ) ازداد الأمر فداحة ( يذكر للأب أنه كان يوازن علاقته مع إيران بعلاقته مع الدول العربية، و الخليج منها على وجه الخصوص )، فمدّ الإيرانيون أذرعهم في أكثر من صعيد، و كان أخطرها على الصعيد المذهبي. و جعلوا معتمدهم في هذه المرحلة هو ( اللواء هشام بختيار )؛ الذي وضع الخارطة السورية بين أيديهم، و أعطاهم حرية التصرف في قراها، و بلداتها من ( الرقة )، إلى ( الحوران  )، مرورًا بـ ( حلب، و إدلب، و حماة، و حمص، و دمشق). سمح لهم بافتتاح عشرة مدارس ثانوية شيعية، وانشاء جامعتين شيعيتين خالصتين: الأولى في منطقة الفوعة في ريف إدلب، و الثانية في اللاذقية، و كانت هناك مساعٍ لبناء مجمع ضخم، ستكون فيه جامعة ثالثة، في المنطقة التي تضم رفات الصحابي الجليل عمار بن ياسر في الرقة، و سمح أيضًا بإقامة الحوزات الشيعية حيثما رغبوا، و كانوا يتسترون عليها في المناطق السنية، على غرار ما كان في منطقة البياضة في حمص؛ التي فوجئ أهلها بوجودها عندما افتضاح أمرها قبل أسابيع، كما قدم الكثير من التسهيل للطلاب الشيعة المنخرطين فيها، و سمح بإغداق العطايا، و المكرمات من السفارة الإيرانية لمن يبدي رغبة في التشيع، و جعل لهم حظوة في مؤسسات الدولة، و بتوصية من قادة الأجهزة الأمنية.

و بالمقابل تمت محاربة، وملاحقة كلّ من تجرّأ على الحديث عن هذا الملف؛ ولا سيما المشايخ، و الدمشقيون منهم على وجه الخصوص.

لقد قام بختيار بزرع دعاة التشيع في وزارة التعليم العالي، فعين الدكتور هاني مرتضى ( الشيعي ) رئيس جامعة دمشق الأسبق، وزيرًا للتعليم العالي، الذي عين بدوره الدكتور عبد الرزاق شيخ عيسى ( الشيعي ) أمينًا لجامعة دمشق، ثم عين الدكتور عباس صندوق (الشيعي).

وفي وزارة التربية، عين الدكتور علي سعد (مرشدي) الذي حارب التعليم الشرعي، وطالب بتأليف كتاب تربية دينية لكل طائفة (دروز، علوية، إسماعيلية، شيعة، سنة).

وبعد أن عَيَّن الدكتور محمد السيد (المُمالئ للشيعة) وزيرًا للأوقاف، قام ( الأخير ) بإضعاف التعليم الشرعي السني، ومنع إستحداث ثانويات شرعية سنية، ومنع قبول الطلاب الأجانب والعرب في أية مؤسسة تعليمية سورية، و طلب من الجهات الرسمية التضييق في منح الإقامات للقدامى، ومنع التمويل الخارجي لهذه المؤسسات، وأعفى كبار القائمين على التعليم الديني من عملهم، مثل (عبد الرزاق الحلبي، سارية الرفاعي، والدكتور عبد الفتاح البزم، ود. حسام فرفور، والشيخ صلاح كفتارو، ود. عبد السلام راجح).

كما أوكل إلى الدكتور عبد الله نظام، المعروف بعلاقته بالسفارة الإيرانية، و عينُها على كلية الشريعة في جامعة دمشق، أمرَ تنقية مناهج الثانويات الشرعية (السنية) من الأمور التي لا يرضى عنها الشيعة.

و لهذا فإنَّ وتيرة التصريحات في طهران تعلو كلَّما ضاق الخناق على رقبة الأسد، حتى باتت توصف بالوقاحة، و البعد عن اللياقة الدبلوماسية؛ لا بل بات هؤلاء يشعرونك أنهم يشغلون مناصب رسمية في دمشق، و ليس في طهران؛ خوفًا منهم على انهيار حُلُمهم في تصدير ثورتهم المزعومة.