غِديْوة..

غِديْوة..

هنادي نصر الله

[email protected]

زعتر؛ دقة، فلفل أحمر، خبز، جبن، زيتون، بندورة.. ماذا ستفعلنَ يا بنات" غِديْوة"..نردُ بصوتٍ ضاحكٍ من القلب؛ فلم يكنْ زماننا هو زمنُ التصنعِ الحالي؛ لم نكبر بعد؛ كنا أطفالاً بزيِ الطفولةِ المدرسي؛ وكنا أطفالاً بكلِ تصرفاتنا..

في " الغِديْوة" لا ننظرْ إلى أفواه بعضنا؛ من يلتهمُ الطعام أكثر؛ بل كان شعارنا " طعام الإثنين يكفي ثلاثة، واللقمة الهنية تكفي مية" كنا نقدس الأكلات الجماعية، ولا نعرفُ أيَ اسمٍ لها سوى" غِديْوة".

بعد" الغِديْوة" كنا نجري ونلعبْ؛ ونضحكْ؛ نُسقط بعضنا البعض أرضًا؛ لا نقصدُ بذلك أن يُهين كل منا الآخر؛ بقدرِ ما كنا نتعمدُ أن نُشيعَ جوًا من المرح؛ كنا نشمتُ من خسارةِ بعضنا في مسابقاتِ الجري؛ لكن شماتتنا كانتْ بريئة لم تتعدى " ألاعيب الطفولة" فلم نُتقن" ألاعيبَ المراهقين" أو " خبثَ كبارٍ" كانوا ينظرون إلينا نظرات إعجابٍ؛ ولسانُ حالهم يقول" آلا ليتَ الطفولةُ تعود بنا يومًا؛ لنشارك هنادي وصديقاتها في تناول" الغِديْوة"..

أذكر مرةً لأجل " الغِديْوة" أفرغتُ حقيبتي المدرسية من الكتب؛ لأضعَ بدلاً منها" حبات البرتقال" فقد أحضرَ لنا والدي وقتها" بُكسة" كبيرة، وأذكر أيضًا أننا كنا جميعًا نتقاسمُ " مصروفنا" القليل فيما بيننا؛ لم تكنْ المادة لها تأثيرٌ سلبي على عقولنا؛ بل كان الحبُ وحده يجمعنا..!

" غِديْوة المدرسة" ذلك الطقسُ الطفولي الرائع؛ حاولتُ أن أنقله إلى كلِ مكانٍ أذهبُ إليه؛في محاولةٍ مني لدفعِ الكبار نحو تعزيزِ المبادئ والأخلاق؛ نحو تمكين النفوس من اللقاء الجماعي والمشاركة الإيجابية في لقمةٍ تُعطيهم الكثيرَ من طاقةِ الحب والعطاء..

لكنني لم أجدْ تحمسَ المشاركين للجودِ والبذل؛ فقد تحكمتْ فيهم الأنانية؛ وعشقوا أن يكونوا " اتكاليين" كما أنهم عندما يجتمعون لا تخلو جلساتهم من " الغمز واللمز" فيجعلون من اجتماعهم أمام وجبةِ الطعام وجبةً دسمةً لنقلِ أخبار غيرهم، وتحسسِ أنشطتهم..!!

فهل حقًا تتساوى " غِديْوة المدرسة" بما وصلنا إليه من استهتارٍ في القيمِ والأخلاق والمبادئ؛ نصيحتي لكلِ إنسان أن يتعلم من الأطفال دروسَ النقاء والعطاء؛ لاسيما وأن هناك بشر خلقهم الله وحباهم بصفاتٍ تؤهلهم إلى صفة" الملائكية" ففكرهم راقٍ، وعطاؤهم دائم، وأرواحهم جميلة، لا يكفون عن تقديم الأفضل؛ وإن خانتهم يومًا الظروف؛ فإنهم لا يخرجون عن ما هو مألوفٌ عنهم ومنهم..!!

فهلْ يستمتعُ الكبارُ بأريجِ شيءٍ من الماضي؛ وهل ينجحون في استعادةِ نكهة" غِديْوة " الطفولة؟؟ أم أن سوادَ قلوبهم يُنسيهم كلَ طقوسهم الجميلة؟؟

ومع قناعتي بأن كلِ إنسانٍ بداخله" طفل" لا يشيخْ وإن شاخَ ؛ فإن علينا أن نتعامل مع " طفلنا الداخلي" بشيءٍ من الدلالِ والحكمة؛ ونُشعرهُ بحقه الطبيعي في عيشٍ لا يسلبُه مقوماتِ السعادة؛ سعادةٌ تقومُ على البساطة؛ ولا تُلقي بالاً لأيِ ناكرٍ أو جاحد...

سعادةٌ لا نخجل ونحنُ نترجمها أن نفترشَ الأرض ومعنا الزعتر والبندورة والفلفل والخبز؛ ونأكلُ ونلعب؛ ولا نستحضرْ إلا كل ما يُسعدنا؛ معًا لنكون أطفالاً على الدوام.. أطفال لا نُعطي " ضغطوطاتِ الحياة أو أزماتها أكثر مما تستحق" !!