"شهداء الأسد" وسؤال الانقسام حيال ثورة سوريا

"شهداء الأسد"

وسؤال الانقسام حيال ثورة سوريا

ياسر الزعاترة

من قرأ مئات الأسماء التي ذيلت بها رسالة العزاء التي وجهت من هنا من الأردن لبشار الأسد عبر سفيره في عمان، فضلا عن نص الرسالة. من قرأها قد يُلقى في روعه أن ثمة انقساما في الموقف الشعبي من الثورة السورية هنا في الأردن، وبالضرورة في الدول العربية. 

لا حاجة للتوقف عن عملية حشد الأسماء التي كان هدفها تكبير الرقم لا أكثر، ولو أراد مؤيدو الثورة أن يردوا على النار بالمثل وكتبوا برقية باسم الشعب الأردني موجهة للجيش السوري الحر تبارك له بالعملية النوعية التي قتلت أربعة من رؤوس الإجرام في النظام، لو فعلوا ذلك، لكان بوسعهم حشد مئات الآلاف من الأسماء، وأقله الآلاف إذا أرادوا الاكتفاء بالأسماء المعروفة، وليس الناس العاديين.

إن محاولة الإيحاء بوجود انقسام شعبي في الأردن حول الموقف من سوريا هي محض تضليل. صحيح أن قطاعا من الحزبيين اليساريين والقوميين، ومن يدورون في فلكهم، إلى جانب أناس ينتسبون إلى أقليات معينة لديها هواجسها من عموم الربيع العربي، صحيح أنهم لا يزالون على تأييدهم للنظام رغم كل ما ارتكبه من جرائم خلال أكثر من عام ونصف، لكن ذلك لا ذلك لا يشير إلا لفئة محدودة جدا لا تتجاوز الخمسة في المئة في أعلى تقدير.

ليس ثمة إحصائيات ولا استطلاعات للرأي تؤكد ما نذهب إليه، لكن نبض الشارع لا تخطئة العين. ليس من خلال المسيرات والاعتصامات التي نظمت تأييدا للثورة مقابل فعاليات اللون الآخر، ولكن من خلال ما يلمسه الإنسان في الشوارع والبيوت في سائر المناطق، فضلا عن المساجد التي يرتادها ملايين الناس، بخاصة في رمضان، بينما تلهج فيها الألسن بالدعاء لنصرة السوريين على نظامهم المجرم. المساجد بالطبع لا تدخل في حسبة كثير من أولئك، من دون أن نعمم لأن هناك من يؤيدون النظام انطلاقا من قناعات معينة لا صلة لها بالأهواء الشخصية، بصرف النظر عن نسبتهم من المجموع العام للمؤيدين.

لا يحدث ذلك في الشارع الأردني وحده، فالتأييد العارم للثورة السورية لا ينحصر في الأردن أو فلسطين، بل يشمل سائر الدول العربية والإسلامية. ولو استثنينا المسلمين الشيعة أو غالبيتهم بسبب الموقف الإيراني، فإن المسلمين السنة يُجمعون على تأييد الثورة، بل متابعتها بشكل يومي وحثيث، ومواقع التواصل الاجتماعي تؤكد ذلك.

كل الفذلكة التي يجترحها من اعتبروا رؤوس الإجرام الذي قتلوا في عملية مبنى الأمن القومي شهداء يدافعون عن الأمة في مواجهة المؤامرة الإمبريالية الصهيونية، كل تلك الفذلكة لا تعني الجماهير من قريب أو بعيد، أعني “الجماهير النقية” التي تحدث عنها البيان إياه (توجد جماهير نقية وأخرى ملوثة إذن!)، لأن المسألة في وعيهم في غاية البساطة؛ هناك شعب ثار يريد الحرية، تماما كما ثار الشعب المصري والتونسي واليمني والليبي، ورد عليه النظام بالرصاص، ليس حرصا على فلسطين ولا عداءً لأمريكا، بل حرصا على مصلحة نخبته الدكتاتورية الفاسدة.

تلك هي الحكاية بكل بساطة، أقله في البداية، لكن الموقف ما لبث أن ذهب في اتجاهات أخرى أكثر خطورة في الوعي الشعبي. ذلك أن تأييد إيران وحلفائها بروحية مذهبية لا تخطئها العين، قد أدى إلى ردة فعل مذهبية مقابلة في أوساط السنة، ولو أجريت استطلاعا للرأي بشكل حقيقي عن الموقف من حسن نصر الله لما وجدت له تأييدا يذكر في الوسط السني بسبب موقف من الثورة السورية، ولك أن تضم إليه، بل قبله إيران ونوري المالكي (الأخير جزء من تيار المقاومة والممانعة وحرب الإمبريالية أيضا!!!).

نعود إلى القول إن محاولة الإيحاء بوجود انقسام شعبي في الأردن حول الثورة السورية لن تنجح بحال. وكما سقط مبارك والقذافي وبن علي وعلي صالح، سيسقط بشار الأسد، وسيجرُّ مؤيدوه أذيال الخيبة عما قريب بإذن الله.