القراءة الإيجابية

أديب عطا عقل

القراءة نشاط عقلي يمارس على مستوى الفرد منذ وجدت الكتابة، ومن خلالها يكتسب المرء معلوماته وأكثر خبراته، لأنه ليس باستطاعة الفرد - مهما بلغت قدراته العقلية وإمكاناته المادية - أن يجد الوقت الكافي والمال اللازم للاطلاع - وبشكل مباشر وشخصي - على حقائق الكون وأسرار الحياة.

والقراءة نشاط أساس في حياتنا نمارسها إما مختارين أو مجبرين، وبشكل يومي تقريباً، فنحن نقرأ لأسباب كثيرة: نقرأ لنتقرب إلى رب العالمين، ونقرأ لإشباع دافع الاستطلاع وتحقيق الشعور بالإنجاز، وقد نقرأ للنمو مهنياً، أو نقرأ استعداداً للامتحان، وقد نقرأ لنتسلى، وهكذا، فإن القراءة، عدا عن كونها مصدراً أساساً من مصادر اكتساب المعرفة والدراية بما يدور حولنا، وأنها من عوامل بناء الشخصية السوية القوية الواثقة - فإنها كذلك مظهر اجتماعي مميز للفرد، إنك عندما تقول أمام زملائك لقد قرأت كتاباً أو قرأت في كتاب كذا.. وكذا.. تأكد بأنك ستكون موضع احترام وتقدير عندهم، وربما موضع غبطة وحبور.

ثمرة القراءة:

وما دامت القراءة نشاطاً ملازماً لنا منذ صغرنا - وإن كان بعض هذا النشاط إلزامياً - علينا إذن جعلها نشاطاً ممتعاً ومثمراً، يحقق الأهداف المتوخاة منها في تنمية وتطوير قدراتنا العقلية والذهنية والمعرفية.

إن تحقيق ذلك لا يتم إلا بإتباع الأسلوب الصحيح للقراءة، وذلك بالتركيز على كل ما نقرأ والحصول على كل ما يحتويه النص المقروء من أفكار ومعلومات، ومحاولة تحليل تلك الأفكار مع ما نملك من أفكار وخبرات سابقة، حتى تنعكس الأفكار الجديدة على عقولنا وتؤتى ثمارها في تعديل أفكارنا السابقة - إذا أقتنعنا بها - أو زيادة في مخزوننا الفكري والمعلوماتي، الذي سيكون عوناً لنا في مستقبل حياتنا.

وهذه هي القراءة الإيجابية أو "قراءة الخط الساخن" - كما اقترح أحد الزملاء تسميتها - والإيجابية في القراءة تعين التفاعل مع النص، وإعمال العقل فيه تحليلاً ونقداً وموازنة وقبولاً أو رفضاً للأفكار الواردة فيه، وهذه هي القراءة المنشودة في عالم اليوم.

لكن خلق هذا النمط من القراءة لا يعتمد على القارئ فقط، وإنما يعتمد بدرجة ما على النص المكتوب الذي يثير القدرات العقلية للقارئ ويخلق آلية التفاعل معه، فالنص الجيد هو الذي يحفز القارئ أو يستفزه على التفاعل معه عقلياً وربما انفعالياً، فالقارئ الإيجابي هو الذي يحاكم النص المقروء اعتماداً على خبراته التراكمية التي تنمو باستمرار بالمزيد من القراءة الإيجابية الواعية.

وعلى الجانب الآخر تكون القراءة السلبية التي يقتصر دور القارئ فيها على تلقي ما يكتبه الآخرون ويختزنه على شكل معطيات أو بيانات خام، ويكون غير راغب أو غير قادر على معالجة أو تحليل تلك البيانات.. وذلك لأنه لا يتفاعل مع النص، ولا يحاول إيجاد حوار بينه وبين كاتب النص، ولا يحلل، ولا يوازن ولا يقارن، وإنما يتعامل آلياً مع النص. فهو إما رافض له كلياً أو قابل ومعجب إعجاباً مطلقاً به. وهذا غير مقبول في عالم اليوم، فالرفض المطلق أو القبول المطلق للنص يجب أن لا يكون غاية القراءة.

آفة العلم النسيان:

اعتمد الإنسان - في القديم - على ذاكرته الداخلية (الدماغ) في خزن وحفظ كل ما يكتسبه من معلومات وخبرات، ولكنه سرعان ما اكتشف قصور ذاكرته عن الاحتفاظ بكل المعلومات لمدة طويلة، فالمعلومات المكتسبة حديثاً قد تمحو معلومات سابقة، وهكذا... ولهذا كان لابد للإنسان من كتابة أفكاره ومعلوماته المكتسبة أو معلوماته المخلقة، حتى يستطيع الإفادة منها وقتما يشاء، وكذا ينقلها إلى الغير من معاصريه، أو للأجيال القادمة، لذا فإن القراءة والكتابة نشاطان متلازمان.

إننا لا نجانب الحقيقة إذا ما قلنا أن كلاً منا قد تعرض لموقف عض فيه أصابعه ندماً، لأنه لم يدون فكرة أو معلومة قرأها سابقاً ونسيها، واحتاج إليها - وبشدة - الآن، قائلاً: لقد قرأت عن ذلك.. ولكن أين.. في كتاب.. أي كتاب؟.

وقد يبدأ معتمداً على ذاكرته في محاولة تحديد ذلك الكتاب بأن لونه كذا.. أو أنه مجلد كبير أو صغير، أو أن مؤلفه فلان. وأنه ربما قرأ هذا الكتاب في مكتبة المدرسة، أو في مكتبته الخاصة، أو عند أحد الأصدقاء، إلى آخر ذلك من التخمينات التي لا تؤدي إلى اكتشاف المصدر في أغلب الأحيان.

لذا، فإننا ننصحك عزيزي القارئ حتى لا تضع نفسك في الموقف السابق، أن تتدرب وتمارس مهارة كتابة وتوثيق الأفكار والمعلومات، التي تحصل عليها من خلال قراءتك، وذلك حتى لا تكون قراءتك ذات إثمار مؤقت لفترة محدودة، وإنما حاول جعلها ذات إثمار وخضرة دائمة تقطف منها وقتما تشاء.

ماذا نكتب مما نقرأ؟

ولكن هل نسجل كل ما نقرأ بنصه؟ الإجابة غالباً: لا.

إذن ماذا نسجل؟ أنت عزيزي القارئ عندما تقرأ نصاً تجد نفسك في الغالب متأثراً بالأفكار الواردة في ذلك النص، فهي إما معلومات جديدة بالنسبة لك، أو هي تؤكد معلومات أو أفكاراً سابقة لديك أو تعارضها، أو هي نصوص أدبية لاقت قبولاً واستحساناً لديك، ومهما كانت ردة فعلك تجاه النص الذي قرأت فإنك ستحتاج إليه في يوم ما وفي موقف ما، لا تعلم متى يكون ذلك!

للإجابة عن السؤال السابق، ماذا نسجل من النص الذي قرأنا؟ نقول إننا قد نسجل ما يلي:

أ- الفكرة العامة للنص:

إن الوصول إلى الفكرة الرئيسية للنص يكون بالقراءة الواعية الشمولية لمجمل النص وتستطيع تلخيص الفكرة العامة في عدد محدود من السطور تعتمد على حجم النص وعلى بساطة الفكرة أو تعقيدها، وهذا النمط من التسجيل ضروري ولازم لكل ما نقرأ، وهو مفيد في سرعة التعرف على ما يحتويه الكتاب من أفكار ومعلومات عند الرجوع إليه مرة أخرى، ويتم التسجيل بأن تقول: يتحدث هذا الكتاب أو هذا المقال عن... كذا.. وكذا..

2- تسجيل فكرة محددة وردت في النص:

نقل الفكرة وليس نقل النص بحرفيته، وذلك لأن فكرة محددة أعجبتك أو تأثرت بها، لأنها ربما تكون جديدة بالنسبة لك، أو لأنها تؤيد أفكاراً سابقة لديك، أو أنها تعارض أو تختلف عن أفكارك السابقة حول الموضوع.

3- الاقتباس:

وهو تدوين نصوص محددة، ونقلها بحرفيتها، وهذه قد تكون نصوصاً أدبية – شعراً أو نثراً - أعجبتك وتأثرت بها عاطفياً، أو عبارة تركت في نفسك أثراً، وهذه عليك تدوينها بنصها، والاعتراف بحقوق أصحابها فيها، وذلك بتسجيل مصادرها.

4- تلخيص النص كله:

وهو إعادة كتابة النص الأصلي بكل أفكاره ومعلوماته بشكل موجز، وبعدد قليل من الكلمات.

ويساعد التلخيص على إمكانية إعادة قراءة النص مرة أخرى بصورة أسرع في قراءة النص الأصلي، ويفيد كثيراً في التعود على القراءة الجادة الواعية المثمرة، لأنه يساعد في التعرف على ما هو ضروري وما هو غير ضروري في النص، والتلخيص ضروري في حالة عدم القدرة على العودة إلى النص الأصلي مرة أخرى.

5- كتابة رأي شخصي في النص:

وهذا النمط من أرقى درجات القراءة والكتابة، فإنك عندما تقرأ نصاً معيناً قراءة تحليلية، قد تكون حيال الأفكار الواردة وجهة نظر مخالفة. أو يكون لك بعض الملاحظات حول النص من حيث المضمون.

إن التدرب على تدوين الملاحظات والآراء الخاصة حول النص المقروء يساعدك على بناء قدرات خاصة في التحليل والتقويم للأفكار والآراء المختلفة.

6- توثيق ما كتبت:

ومهما كانت المعلومة أو الفكرة التي أخذتها من النص. فإنه لزاماً عليك توثيقها، بمعنى تسجيل بيانات المصدر الذي أخذت منه تلك المعلومة أو الفكرة، وذلك بتسجيل مؤلف النص وعنوانه، وبيانات نشرت، ورقم الصفحة التي أخذت منها النص، وربما مكان وجود المصدر في مكتبة البيت أو المدرسة وهذا التوثيق يحقق لك ما يلي:

1- إكساب المعلومة المدونة صفة الصدق والاستنادية إلى مصادرها الأصلية.

2- إن التوثيق يمكنك من الرجوع إلى مصدرها الأصلي متى شئت أو متى احتجت إليها.

صحيح أن القراءة ليست المصدر الوحيد للمعرفة، ولكنها – إذا ما أخذناها بمفهومها الواسع وأضفنا إليها قراءة الاستماع والمشاهدة - بالتأكيد تمثل المصدر الرئيس لاكتساب المعرفة.

إن للقراءة أهمية قصوى على مستوى الفرد، لأنها تنير لنا دروب العلم والمعرفة، وتجعلنا أكثر ثقة بأنفسنا وبقدراتنا – التي أصبحت موضع شك - وتتيح لنا التطلع إلى المستقبل بكثير من الثقة والأمل دون خجل أو خوف أو تردد، وذلك لأنك إذا ما ملكت المعلومات الكافية عن أي عمل تنوي القيام به، فإنك تسير فيه بخطى ثابتة ومتزنة، واثقاً من تحقيق النتائج المرجوة.

وإن القراءة تعرفنا على آراء الآخرين، بل أكثر من ذلك إنها تعكس آراء وأفكار الآخرين على عقولنا، صحيح أن بعض هذه الأفكار لا نود الاحتفاظ بها، لكن الكثير منها نرغب –وبشدة - في الاحتفاظ بها وتطويرها.. لكن ذلك لن يتم لنا إلا إذا قرأنا بعمق أكبر وكتبنا ما قرأنا أو عما قرأنا بصورة أو بأخرى فالقراءة والكتابة وجهان لظاهرة واحدة.