إضرابُ العاصمتين نرفعُ لك الأَكُفَّ عاليةً

محمد عبد الرازق

 لقد بات من سوء الطالع لدى نظام ( الأسد ) أن تنضمَّ طبقة التجار، رجال المال، و الاقتصاد، و الأعمال إلى الحراك الشعبي المتعاظم في سورية؛ لأنه كان يراهن لمدة طويلة أن تبقى هذه الشريحة من السوريين خارج المعادلة، و كان كثيرًا ما يُسمِع زوارَ دمشق من غير السوريين عن انحياز هؤلاء له.

 و لقد نجح في شيء من ذلك؛ لا بل سعى لأن يجعل منهم الرديف الأول له في قمعه أبناء سورية المنتفضين ضده، و قد أشارت التقارير إلى أنهم أُلزِموا بالقيام بأعباء جموع الشبيحة المالية إلزامًا، و أن هناك منهم من كان يقوم بذلك عن رغبة و طيب خاطر، و منهم ( غريواتي، و حمشو، حمدو ).

 غير أن الأمر قد بدأ يخرج عن رغبته؛ إذ تشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة من الشريحة قد قاموا بإخراج رؤوس أموالهم خارج سورية، و تحديدًا إلى الأردن ( فيما يخص تجار دمشق )، و إلى تركيا ( فيما يخص تجار حلب)، و هناك رؤوس أموال أخرى اتجهت إلى لبنان، و الإمارات، وإلى دول أخرى بنسب أقلّ.

 و لا ننسى الإشارة في تفاقم الأزمة الإقتصادية عمومًا إلى توقف عجلة الانتاج الصناعي بسبب توقف التمويل من البنوك المحلية التي سُحِب كثير من أرصدتها من قبل الدول المساهمة فيها؛ و لا سيما الخليجية منها.

 و قد كان التعويض في هذه الأزمة بالنسبة للنظام هو ( طباعة الليرة في دمشق ابتداءً، ثم في روسيا لاحقًا)، و الاستعانة بالدعم الخارجي من العراق ( أعطاه المالكي في الربع الأول من العام الجاري ثمانية مليارات دولار حولت من ميزانية وزارة الكهرباء عنده )، و إيران ( أعطته مؤخرًا ستة مليارات دولار ).

 هذا فضلاً على امتناع نسبة منهم عن تمويل مجاميع الشبيحة، و لاسيما من غير الطائفة العلوية ممَّا زاد الأزمة تفاقمًا. لا بل أخذوا في المشاركة بنصيب من المساعدات للمحتاجين في مناطقهم، و مدّ يد العون لأبناء المناطق المتضررة، و هناك منهم من بدأ بتمويل بعض كتائب ( الجيش الحر ).

 لم تتخلف هذه الشريحة من أبناء شعبنا عن اللحاق بركب الثورة طويلاً؛ فقامت بالمشاركة الفعالة في الإضراب الذي دعت إليه مجموعة من علماء دمشق و حلب تضامنًا مع أهالي الميدان، و مناطق ريف حلب قبل أسابيع مضت، و قد كان إضرابًا مؤثرًا بشكل لافت، ممَّا شجع النشطاء في الثورة على المناداة به ثانية؛ تضامنًا مع أهالي ( دوما ).

 و قد كانت نسبة المشاركة في أقل الأحوال ( 70 بالمائة )، و وصلت في بعض المناطق إلى ( 90 بالمائة )، و انخرطت فيه مناطق تجارية حيوية في العاصمة، مثل: الميدان، و باب سريجة، و القدم، و القابون، و الحريقة. و كذلك الحال في حلب التي شهدت إضرابًا واسعًا فاق التوقعات.

 فقامت على إثر ذلك قوات أمن النظام بممارسة الإرهاب على أصحاب تلك المحلات لإجبارهم على انهاء الاضراب، و فتح محلاتهم، و لم تفلح في ذلك على قلة من استجاب لها.

 و هناك تفكير بأن يستمر هذا الاضراب إلى فترة أخرى بعد أن رأى الداعون له حجم المشاركة الكبيرة فيه.

 لقد أثبت أبناء شعبنا أنهم على قدر المسؤولية و التحدي؛ فمن تأخر عن اللحاق منهم من هذه الشريحة؛ ها هم يعوضون ما فاتهم من الانخراط في هذا الحراك الشعبي ضد نظام الأسد في أول أمره؛ فما من دعوة للإضراب إلاَّ و يفوق نجاحها المأمول منها.

 فلكم يا أبناء شعبنا من: التجار، و أصحاب رؤوس المال، و الأعمال نرفعُ الأَكُفَّ عالية؛ تحيةً، و تقديرًا.