جائعون للحرّيّة!

صلاح حميدة

[email protected]

جملة مكتوبة بطريقة حِرَفِيَّة منتشرة على بعض جدران مدينة رام الله في الفترة الأخيرة، تتزامن مع أزمة اقتصاديّة حادّة يعيشها الفلسطينيون على كافّة الأصعدة، بالإضافة إلى انسداد سياسي واضح، وتآمر دولي وبعض إقليمي فاضح، وكأنّ هناك من يريد من الفلسطينيين أن يخلعوا كلّ ملابسهم ويتنازلوا عن كافّة حقوقهم ويرحلوا عن هذه البلاد.

لا أعلم تحديداً من هو أو هم الّذين قاموا بكتابة هاتين الكلمتين، كلمتان بصيغة ( نحن) المجموع الفلسطيني، توجّهان رسائل واضحة للعديد من الأطراف، فهي رسالة شعبيّة مكتوبة بأسلوب معروف للشّعب الفلسطيني، كان المناضلون الفلسطينيّون يكتبون رسائلهم للجمهور الفلسطيني عبر شعارات تكتب على الجدار، رسائل يستقبلها المواطن مباشرةً بأقلّ الكلمات وأكثرها تعبيراً، وهي قمّة في البلاغة اللفظيّة الّتي تؤدّي رسالتها لعموم النّاس بكافّة مستوياتهم الفكريّة والاجتماعيّة، وهي شعارات ذات رسائل سياسيّة واضحة يرى أصحابها أنّ كتابتها على الجدران أفضل الطّرق لإيصالها للجمهور لكونهم يعتبرون أنّ إيصالها عبر وسائل إعلاميّة وتواصليّة أخرى متعذّر أو لا يمكن أن تصل لقطاعات واسعة من الشّعب الفلسطيني إلا بهذه الطّريقة.

رسالة للجمهور تذكّره بشعارات أخرى لم تغب عنه طويلاً ك ( الجوع ولا الرّكوع) وهي شعارات تُعلي من قيمة النّضال الفلسطيني وتضعه في سياقه الطّبيعي مع الاحتلال، فالكرامة الوطنيّة والجوع الحقيقي للفلسطيني للحرّيّة هما المحرّك الرّئيسي لنضاله وحراكه الوطني والسّياسي ضدّ الاحتلال وسياساته، وضدّ المؤامرات الدّوليّة والإقليميّة الهادفة إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة بعد تقزيمها وحرفها عن طريقها الصّحيح، وقد يكون توقيت الكتابة على الجدران الآن يهدف لتذكير الجمهور أنّ قلب وعكس المعادلة النّضاليّة أدّى لجوع فيزيائي وجوع للحرّيّة في نفس الوقت، وبات الفلسطينيّون جائعين للنّاحيتين، بينما لو قدّم الفلسطينيّون تحقيق مطالب جوع الحرّيّة لما وقعوا فيما هم فيه الآن من مأزق خطير.

الرّسالة الأخرى الّتي يرسلها هذا الشّعار للقوى السّياسيّة الفاعلة والمهتمّة بالشّأن الفلسطيني، أنّ ما جرى ويجري ليس إلا منح مسكّنات لمرض لا يمكن شفاؤه إلا بدواء معروف، والدّواء هو منح الفلسطينيين حرّيّتهم وحقوقهم المسلوبة، فالفلسطيني لا يثور من أجل إرسال مساعدات ومِنَح ورواتب آخر الشّهر، ولا يثور من أجل أن يشتري ملابس أو سيّارات، أو من أجل أن يسمح له بالسّفر أو العمل أو التّنقّل أو السّياحة أو التّجارة أو البناء وفق معايير الاحتلال، يقبل أو يرفض أو يقنّن، فالفلسطيني له الحق أن يعيش كباقي البشر على أرضه بحرّيّة، يتاجر ويسافر ويرفّه عن نفسه ويبني بيته ويفلح أرضه ويروي حقله، وله الحقّ بسمائه وبحره ومائه وآثاره وحياته بكافّة تفاصيلها، هذه هي الحرّيّة التي يجوع لها ومن أجلها الفلسطيني، وهي سبب نضاله وتضحياته اللامتناهية.