كلمة الشيخ أحمد محمد نجيب

رئيس الهيئة العامّة للعلماء المسلمين في سوريا

بمناسبة انطلاقة موقع الهيئة على الشبكة العنكبوتيّة

http://www.syria-olamaa.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، قاصمِ الجبّارين والمتكبّرين، وناصر الضّعفاء والمظلومين القائل: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}، والصلاة والسّلام على سيّدنا وحبيبنا محمّد القائل: "إنَّ الله ليملي للظالم حتّى إذا أخذه لم يفلته"، أمّا بعد:

فإنّ يوم التاسع من ربيع الآخر لعام 1432هـ الموافق للخامس عشر من شهر مارس 2011م ليعدّ علامة فارقة، ومنعطفاً خطيراً في تاريخ سوريّا الحديث، حيث شهد هذا اليوم ميلاد ثورة الحريّة والكرامة لشعبنا العظيم الذي نفض عن كاهله غبار الذلّ والمهانة، وهبَّ في وجه الظّلم معلناً إسدال السّتار على عهد الاستكانة.

إنّ ثورتنا في شامنا المبارك من أعظم الثوَرات - إن لم تكن أعظمها - في هذا العصر، وإني لأعتقد جازماً أنّه لم يكن يَدُر في خَلَدِ بشّار الأسد ونظامه المجرم أنَّ شعلة الحريّة التي أُوقدت جذوتها في تونس ستمتدّ ليصلى هو وعصابته أوارها، هذه الشعلة التي أنارت الطريق بِقُدرة إلهيّة عجيبة لمن كان لا يجد بصيص أمل للخروج من ظلمات الظّلم والقهر والعبودية التي مورست ضدّه بطريقة ممنهجة عبر عشرات السّنين.

وإنّنا لو تتبّعنا سيرةَ أباطرة الاستبداد في العالم عبر الزّمن لوجدنا أنّهم قد خرجوا من مشكاةٍ واحدة
فلا تكاد ترى أحدهم إلا ويقفو أثر الآخر في الظّلم والقهر والتسلّط والاستبداد، وهم جميعاً مستعدّون لأن يُضحّوا بشعوبهم من أجل نزوة ملكٍ أو بقاء عرش، وبشّار الأسد ليس بدعاً بين هؤلاء بل قد فاق عُتاة المجرمين طغياناً ممّن أُهلِك، وممّن ينتظر هلاكه، والعجيب في هؤلاء جميعاً أنّهم لا يعتبرون إلا بأنفسهم فسحقاً لهم ما أضلّ سعيهم! يحفرون قبورهم ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وما يشعرون.   

لقد كان بشَّار الأسد - ولا يزال - يراهن على عامل الوقت في تصدّيه للشعب السوريّ البطل لكسر إرادته وثني عزيمته، والقضاء على ثورته، إلا أنّه أخطأ الجادّة وتنكّب الصراط السّويّ فزلّت به قدمه في مهاوي الرّدى، فلا يلومنّ إلا نفسه، ولا يكسرنَّ إلا رأسه؛ فقد ولّى ذلك العهد الذي لاذ فيه السوريون بالصّمت الذي أشبه صمت القبور، وانقضت أيّامه، وولّت إلى غير رجعة، وأعلنها الشّعب مدويّة أنّه لن يرجع إلا وقد قطف ثمار ثورته المباركة، وما صبره الذي يُصابره، وعذابه الذي يُكابده إلا ليستنشق نسائم الحريّة، وأنعِم بها من نسائم! ويستروح عبق العزّة والكرامة، وأكرم بهما من كرائِم!

إنّها ثورة المجد والعزّة والكرامة بلا شكّ بكلّ ما تحمله تلك الكلمات من معانٍ وأبعاد، فلقد عشنا سنين في سورية نرقب ما وصلت إليه بلدنا من فساد سياسيّ وإداريّ واقتصاديّ واجتماعيّ وثقافيّ بل هو والله فسادٌ عامٌ خربت فيه الذّمم؛ فبيعت في سوق النّخاسة بأرخص الأثمان، وكنّا نتناجى ونقول: "ليس لها من دون الله كاشفة"، وما ذاك إلا لأنّه تولّى أمرنا شرارُنا، وغاب خيارُنا، وسكت شعبنا عن حقّه المهدور فنالنا من التّيه ما نالنا:

فما يُؤسى على الدّنيا ولكن                على إبلٍ حداها غيرُ حادي

فلمّا أُبْنَا إلى رشدنا أراد الله اختبارنا ليميز الخبيث من الطيب، وصدق الله العظيم:" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ"، وعزاؤنا فيما يجري قول ربّنا جلّ شأنه:"وليمحّص الذين آمنوا ويمحق الكافرين".

ومن هنا فإنّنا أرى ملامح سوريّا المستقبل قد أخذت بالتشكّل والبروز، فتحيّة إجلال وتقدير لكم
يا من تتقزّم أمامكم قاماتنا، وتنحني لكم هاماتنا؛ إذ سطّرتم بدمائكم الطّاهرة مجد الأمّة. تحيّة إجلال وتقدير لكم يا من تصنعون بأرواحكم الثائرة الغد المشرق. تحيّة إجلال وتقدير لكم وقد صنعتم سفينتكم وأبحرتم بها فوق أمواج الطّغيان، ونحن ننتظر أن يغيض الماء، وتبتلع الأرض هذا الظلم والاستبداد، وتستوي على الجوديّ، ويقال بُعداً للقوم الظّالمين.

إنّ بشّار الأسد ساقطٌ لا محالة، فهذه سنّة الله في خلقه، وقد خلت من قبله القرون، فأين فرعون وهامان؟ أين النمرود؟ أين الجبابرة؟ أين الأكاسرة؟ أين ابن علي الهارب؟ وأين القذافي المقذوف به في الجحور؟ وأين علي عبد الله صالح الثعلب الخليع؟ وأين مبارك المتمارض البارك؟

أيـــــنَ مَنْ سادوا وشادوا وبنوا       هلكَ الكلُّ ولمْ تغنِ القــللْ

سَيــــُعيـــــدُ  اللهُ كــــــــــلاًّ منهــــــــــمُ       وسيـــــــــجزي فاعلاً ما قدْ فعلْ

أين من ملكوا الدّنيا فظلموا وساموا العباد ألواناً من العذاب؟!!! قضوا جميعاً بظلمهم، وردّوا إلى الحكم العدل الذي لا تضيع عنده المظالم، قال تعالى: {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً} ، وموعد الله آتٍ لا محالة فالله لا يخلف الميعاد.

فالله العظيم نسأل وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى نتوسّل أن يعجّل بالنّصر والفرج والتّمكين، وأن يرينا في بشّار الأسد وعصابته المجرمة يوماً حالكاً أسودا  كأيّام عاد وثمود، إنّه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وصلّى الله على سيّدنا محمّد البشير النّذير وعلى آله وصحبه وسلّم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين،

وإنّنا لو تتبّعنا سيرةَ أباطرة الاستبداد في العالم عبر الزّمن لوجدنا أنّهم قد خرجوا من مشكاةٍ واحدة فلا تكاد ترى أحدهم إلا ويقفو أثر الآخر في الظّلم والقهر والتسلّط والاستبداد، وهم جميعاً مستعدّون لأن يُضحّوا بشعوبهم من أجل نزوة ملكٍ أو بقاء عرش، وبشّار الأسد ليس بدعاً بين هؤلاء بل قد فاق عُتاة المجرمين طغياناً ممّن أُهلِك، وممّن ينتظر هلاكه، والعجيب في هؤلاء جميعاً أنّهم لا يعتبرون إلا بأنفسهم فسحقاً لهم ما أضلّ سعيهم! يحفرون قبورهم ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وما يشعرون.