المهمة الأصعب هي كسب السنة المعتدلين وإعطاؤهم دور

وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط

المختبر السوري العراقي لقياس التحمل

زهير سالم*

[email protected]

أصدقاءنا كانوا أو أعداءنا من المهم أن نعرف كيف يفكرون ، وكيف ينظرون إلينا ، وما هي الخلفيات اللاوعية التي تحكم تفكيرهم . مقابلة وزير الدولة البريطاني لشؤون ما يسمونه ( الشرق الوسط ) مع جريدة الحياة اللندنية بالأمس كان فيها الكثير من مفاتيح العقول والنفوس . عقولهم ونفوسهم أقصد ...

كان الوزير البريطاني يعلق على المؤتمر الدولي الذي عقد منذ أيام في لندن ، وكان محوره تقويم عمل التحالف الدولي في حربه على تنظيم الدولة ، المؤتمر الذي شاركت فيه واحدة وعشرون دولة بعد مؤتمر بروكسل الأول الذي حضرته ستون دولة من قبل .

في لقائه مع جريدة الحياة هذا لخص الوزير البريطاني استراتيجية التحالف الغربي وتوابعه مما يجري في العراق وفي سورية على السواء. ولما كان الهدف الأساسي من مؤتمر لندن هو تقويم الجهد العسكري الذي تقوم به قوات التحالف الدولي ضد داعش ، وسط موجة دولية رسمية عامة من شكوى من اللاجدوى أو العبثية ، وفي أحسن الأحوال يتحدث المتفائلون الرسميون عن نجاح محدود في وقف تقدم تنظيم الدولة أو الحد من انتصاراته ؛ بدا الوزير البريطاني في لقائه مع جريدة الحياة اللندنية العربية تحول دعائيا بامتياز حين أخذ يسرد انتصارات التحالف الدولي على النحو التالي : مقاتلات التحالف قضت على آلاف العناصر من تنظيم الدولة ، وعلى 50 % من كبار قياداته ، إضافة إلى تدمير مئات العربات والدبابات ، وحوالي 200 منشأة نفط وغاز ، وتدمير أكثر من ألف مركز ونقطة تفتيش.

وإذا أخذنا بالحسبان أن عمر الحملة الدولية على التنظيم في العراق ستة أشهر اعتبارا من 20 / 8 / 2014 وعمرها في سورية خمسة أشهر 21 / 9 / 2014 وبحسب الانجازات التي تحدث عنها الوزير فإنه بتمام العام ستكون كل القيادات التنظيمية قد أبيدت وسيكون كل ما بيد التنظيم من دبابات وآليات قد دمرت . نحن هنا لا ندافع عن تنظيم الدولة وإنما نوضح تهافت المنطق الدعائي أمام الحقائق التي تتحدث عن حرب مع تنظيم الدولة قد تستمر لعشر سنوات .

الأخطر من حديث الوزير أن التحالف في استراتيجيته العامة لا يسعى إلى إطفاء نار هذه الحرب المدمرة التي تطحن في منطقتنا الإنسان والأوطان . فهناك لا مبالاة مطلقة من هذا التحالف باستحقاقات هذه الحرب . المتحالفون لا يتساءلون بطريقة علمية أو عقلية مثلا لماذا يستنفر هؤلاء ( المقاتلون ) الأجانب من أوطانهم ليتطوعوا في أتون حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر . السادة الملتقون في لندن يعلمون بكل تأكيد أن النار الموقدة التي تشعلها إيران في المنطقة ويسعرها بشار الأسد وحسن نصر الله وكل الميليشيات الطائفية هي التي تستفز هذا الشباب المسلم وتجعله ينخلع من حياته ومن أسرته ومن وطنه وينحدر إلى ما يظنه ساحة للنصرة أو الجهاد أو الحفاظ وهم لا يريدون لهذا الاستفزاز أن يتوقف ... السادة الأنيقون الملتقون في لندن يعلمون أنهم بمجرد أخذهم على أيدي المجرمين الطائفيين بشار الأسد وحسن نصر الله وشركائهم ستنتهي هذه الكوميديا السوداء ؛ ولكنهم لا يريدون لهذا المسلسل الدامي أن ينتهي بل هم يريدون أن يزيدوا ناره ضراما ولهيبا وضحايا وجماجم وأشلاء أطفال ، وهم حين يتحدثون عن أهل ( سنة معتدلين ) فقد وجدوا في الساحة السورية والساحة العراقية والمجرمين من الطائفيين ما يهيؤ لهم مختبرا ينفذون فيه ما يسميه الأطباء النفسيون : قياس التحمل للتمييز العملي بين سنة معتدلين وسنة غير معتدلين . فالصاغرون والخانعون والمستسلمون والتابعون هم المعتدلون وغيرهم غيرهم ...

وقياس التحمل

هذا هو ما تنفذه اليوم الاستراتيجية الغربية على أهل السنة أي على المسلمين في أوطانهم الأصلية ، أو في مهاجرهم ليسوقوا كل من يرسب في هذا الامتحان إلى الساحتين السورية والعراقية حيث صدر حكم خفي عليهم بالإبادة أو بالملاحقة الأبدية أينما حلوا أو ارتحلوا ...

الأخطر في نفسية السيد الوزير وفي حديثه هو هذا الاتهام الاستباقي لجماهير أهل السنة الذين هم مادة شعوب هذه البلاد وخامتها وسوادها وعامتها وجُلها وصانعة تاريخها وحامية حاضرها وامتداد مستقبلها وحامل ثقافتها ؛ بتقسيمهم إلى معتدلين وغير معتدلين وهو بحد ذاته كلام يستحق الإدانة ويستحق الشجب والنكير ..

ثم الأخطر في الحديث عن دور يُعطى للمعتدلين من أهل السنة ، وهو كلام ينبني عليه سؤال أولي ومباشر ... فمن هو الذي سيعطي أهل البلد وجماهيره والأمناء عليه دورهم ؟! أهو بشار الأسد أو حسن نصر الله أو العبادي أو الولي الفقيه أو محفل لندن أو تل أبيب ؟! إن أهل السنة في هذه المنطقة من العالم هم الذين كانوا على مدى ألف وخمس مائة عام يعطون الحقوق ويوزعون الأدوار بالحق والبر والقسط هم أصحاب الحق في العطاء وليس في الأخذ . وهو حق لن يتنازلوا عنه ، وأصحاب دور ذاتي أصيل لن يمنحهم إياه أحد ولن يحول بينهم وبينه مستبد طاغية ولا معتد أثيم ..

وأخطر الخطير في كلام السيد الوزير قوله عن أهل السنة في سورية : ( إن الكثير من السنة سيذهبون إلى داعش عندما لا يكونون ممثلين في النظام السياسي في دمشق ) وهذا هو الحلم وتلك هي المؤامرة ، وهذا هو التحدي الأصعب الذي يواجه أولئك المجتمعين في لندن كما يريدونه أو يتصورونه أو يتوهمونه . والمهمة الأصعب التي تحدث عنه السيد الوزير البريطاني : المهمة الأصعب هي كسب السنة المعتدلين وإعطاؤهم دور) أي دور عند بشار الأسد أو عند حسن نصر الله أو عند العبادي أو عند عبد الملك الحوثي أو لنقولها باختصار عند الولي الفقيه الذي استحوذ على الدور عند الأمريكي والصهيوني معا ...

يقول الوزير البريطاني لأبناء هذه الأمة إما أن تقبلوا هذا فنقبلكم وإما أن ترفضوه وتتدعشوا فنقتلكم ..

ويبقى الجواب عند أبناء الأمة العقلاء الراشدين ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية