عجرفة الصغار

عجرفة الصغار!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

من عجائب الأقدار أن تتحكم الأقليات الثقافية والفكرية والطائفية في الأغلبية الإسلامية الساحقة ، وتفرض ممارساتها الإقصائية والاستئصالية على رموز الأغلبية ، بعد أن أتيحت لها فرصة الهيمنة على وسائط التعبير والصحافة والإعلام طوال ستين عاما تحت الحكم العسكري البوليسي الفاشي المستبد .. وجاء الصراع بين إرادة الأغلبية وتسلط الأقليات عقب ثورة يناير كاشفا مدى البؤس الذي تعيشه هذه الأقليات في سلوكها الأناني الإقصائي ، واعتمادها على الكذب والتدليس والتشهير في ترويع الأغلبية ، وهز ثقتها في نفسها ، فضلا عن إعلان كراهيتها بل رفضها للإسلام ووجوده في الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي .

وما كانت الانتخابات الرئاسية وما جرى فيها إلا جانبا ضئيلا من هذا الصراع بين الأغلبية والأقليات التي جاءت بقضها وقضيضها لتحارب معركتها الأخيرة وتسحق الأغلبية وتهزمها بالضربة القاضية ، ولكن شاءت إرادة الله شيئا آخر !

لقد انتصرت مصر كلها على النظام الفاسد في انتخابات الرئاسة ، وكان قدر الله أن ينجح رمز إسلامي في انتخابات الرئاسة ، ويقيم الصلاة لأول مرة في القصر الجمهوري الذي حارب الإسلام على مدى ستة عقود من الظلم والظلام ، وأن يخاطب الشعب بأهلي وعشيرتي وأحبائي ، ولكن ذلك لم يرض بعض الأقليات التي اعتادت على إقصاء الإسلام وتنحيته من الحياة المصرية ، لدرجة أن يقول أحدهم إن من يبدأ كلامه بالبسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو نصاب !!

بعد إعلان فوز مرشح الثورة ؛ راح خدام النظام السابق يتربصون بكل كلمة يقولها الرئيس ، وكل حركة يتحركها . أحدهم لم يعجبه أن ينادي  في أول خطبه الشعب المصري نداء قريبا إلى القلب : أهلي وعشيرتي وأحبائي ، وراحوا يبحثون عما يسمونه المواطنة ، ، ولا أدري ما ذا يتبقى لهذه المواطنة الجافة حين يجعل الرئيس الشعب المصري أهله وعشيرته وأحبابه ؟ ماذا يريدون منه أن يقول تعبيرا عن قربه من الناس واعتزازه بهم ؟ لقد كان الرئيس السابق ، يخاطب الشعب ويمن عليه في لغة تقريرية معدنية أقرب إلى الخشونة ، فظلت كلماته دونها أبواب القلوب الموصدة !

ويأتي نفر من أبناء الحظيرة الثقافية وخدام النظام الفاسد البائد ليحذر مما يسمى الغزو الوهابي لمصر وثقافتها ، وهذا الشيوعي الحكومي وأمثاله يعبرون عن حالة من الجهل المطبق بطبيعة مصر التي لا تستجيب إلا لما يتوافق مع فطرتها ودينها ووسطيتها ، وطبيعة الوهابية التي ليست مذهبا دينيا ، ولكنها حركة تجديد إسلامية انتفضت على الخرافة والوثنية وعبادة القبور ، ومن قاموا بالانتفاضة الوهابية يتبعون مذهبا فقهيا اسمه المذهب الحنبلي ، وهو أحد المذاهب الأربعة في الفقه الإسلامي . ثم نجد بعضهم يسخر من صلاة الدكتور المرسي الفجر حاضرا في المسجد، وتنازله عن راتبه، و لقائه مع أسر الشهداء والمصابين ، ويرى في الحديث عن ذلك نفاقا وتملقا ، وينسى هؤلاء الشيوعيون الحكوميون من خدام النظام السابق أن محمد مرسي تربى تربية إسلامية ، تجعله يتقرب إلى ربه ، ولا يبالي بالدنيا وزخرفها ، ولو كان يهتم بالمادة ما تحمل السجن والحصار والملاحقة والظلم العظيم في الوقت الذي كان فيه الشيوعيون والمنافقون من خدام النظام السابق ينعمون بالطمأنينة ويغترفون من أموال الشعب المصري المسكين ، ما لا يحق لهم ولا يجوز !

لا أحد يوافق على النفاق أو التملق ، ولعل الإسلاميين ومنهم أبناء الرئيس  وأقاربه ، كانوا أسبق الناس وأكثرهم تحذيرا له ؛ حيث طالبوه بتقوى الله – التي لا يؤمن بها الشيوعيون والمنافقون – والعدل والرحمة والعمل وتجنب بطانة السوء والمنافقين الذين نافقوا النظام السابق ، وما زالوا على استعدا لمواصلة مهمتهم غير النبيلة !  وتبدو البغضاء من بعضهم حين يرى أن اللغة الإسلامية للرئيس لا تعجبه فيصف خطابه بأنه " ديني بامتياز ! " ، وأنه "ولىّ علينا"،  وأنه يطمئن أميركا والصهاينة ، ويتهكمون أن كفاءته الوحيدة أو مؤهله الوحيد أنه مرشح الإسلام أو المسلمين ! هل تريدونه أن يخلع الإسلام ؟ ويعلن الكفر ليرضى عنه الشيوعيون وأشباههم من خدام النظام السابق ؟

بالطبع لم يعجب هؤلاء الاستشهادات القرآنية التي " تداعب الطيبين والطيبات " - حسب تعبيرهم - وليس الشيوعيين والشيوعيات ، ولو أنه استشهد بمقولات الرفيق ستالين وسلفه لينين ، ونبيهم ماركس ، وحواريه أنجلز ، أو السيد تروتسكي ، لكان الأمر جميلا وعظيما ورائعا ! القضية هي الإسلام ، وليس الإخوان أو غيرهم من التيارات الإسلامية . المطلوب هو إقصاء الإسلام من الحياة ليطمئن بال الأقليات الفكرية والثقافية ، مع أن التدين والاعتقاد حق من حقوق الإنسان الدولية .

إنهم يطرحون مصطلح الدولة المدنية في مواجهة الإسلام ، بوصف الإسلام – كما يزعمون – دولة دينية . وهم لا يضعون الدولة المدنية في مواجهة الدولة العسكرية أو البوليسية ، بل إنهم في حقيقية الأمر يجعلون من الدولة العسكرية والبوليسية دولة مدنية (!!) أما الدولة الإسلامية ، فهي ما ينبغي حسب مفهومهم المنحرف الضال ؛ ما يجب محاربته والوقوف في وجهه مقابل الدولة المدنية لأنها هي الدولة الدينية ! ونسوا أن ديننا الإسلامي الحنيف ، هو الذي حرر أوربة في العصور الوسطى من الدولة الدينية التي كان فيها الحاكم ظل الله على الأرض ، ويحكم فيها الكهنوت المقدس الذي يتوسط بين العبد وربه ، ويتعرض للغفران والحرمان وفقا لإرادة الكهنوت . إن الإسلام ليس فيه تفويض إلهي ، أو كهنوت ، أو وساطة بين المرء وخالقه !

متى يكف الصغار عن العجرفة وفرض إرادتهم الغشوم على شعب مسلم بالعقيدة والحضارة ، ولا يحب الشيوعية ولا المتأمركين ؟