المتَبّقّي

المتَبّقّي

صلاح حميدة

[email protected]

قبل سنوات تسنّى لي مشاهدة فيلم إيراني بعنوان " المتَبَقّي" وكان الفيلم معَبّراً وممتعاً ومثيراً للمشاعر الانسانيّة المتعاطفة مع شخوص الفيلم من الفلسطينيين، حيث يتحدّث الفيلم عن عائلة فلسطينيّة يقتلها المستوطنون الصّهاينة في حرب احتلال فلسطين عام 1948م، وتأخذ عائلة يهوديّة بيت وطفل العائلة الّذي كان رضيعاً، وتحاول جدّة الطّفل استرجاعه من تلك العائلة ملقيةً بنفسها والطّفل من القطار حتّى تنقذه من أن يحيا مع قتلة أمّه وأبيه في نهاية الفيلم.

قد تكون قصّة الفيلم مستوحاة من قصّة حدثت فعلاً ذكرتها بعض وسائل الاعلام مع اختلاف في بعض التّفاصيل، أو أنّها مستوحاة من قصّة حدثت في نفس الفترة الزّمنيّة من الحرب على فلسطين والفلسطينيين في قرية دير ياسين، حيث كان طفل من عائلة زهران الفلسطينيّة قد بقي على قيد الحياة بين عائلته الّتي قتلتها العصابات الصّهيونيّة، وكان يتظاهر بالموت كلّما جاءت فرقة من القتلَة لتمشّط البيوت ولتتأكّد أنّ جميع من في البيوت قد قتلوا، وكان هو (المتبَقّي) من تلك العائلة.

قبل أيّام قتلت عائلات بأكملها في مدينة الحولة السّوريّة من قبل عصابات طائفيّة إجراميّة بتغطية من قوّات عسكريّة نظاميّة، وبحماية  ورعاية وتسليح روسي - إيراني وتواطؤ دوليّ، وظهر من بين القتلى طفل صغير لطّخ نفسه بدماء أخيه حتّى يعتقد القتلة أنّه مقتول، وبقي هذا الطّفل يتظاهر بأنّه مقتول حتّى غادر القتلة المنطقة، وظهرت شهادته على وسائل الإعلام المختلفة، وأصبح (المتبَقّي ) الوحيد من تلك العائلة، وقد يكون ( المتَبَقّي) السّوري أكثر حظّاً من (المتبّقي ) الفلسطيني كونه عاصر عصر الإعلام المفتوح، فيما ( المتَبَقّي) الفلسطيني عاش بعدها لعقود حتّى وجدَ من يتحدّث عنه ويخلّد ذكرى عائلته.

الملفت في تلك الحوادث المختلفة أنّ السّلوك العنصري العرقي والدّيني والطّائفي واحد، وأنّهم جميعاً يتجرّدون من إنسانيّتهم، ويلجأون لسلوكيّات غريزيّة حيوانيّة مقيتة عندما يتعاملون مع الآخَر المختلف، وأنّ بعض النّاس قد يكون من أكبر دعاة الحرّيّات وحقوق الانسان وحق الشّعوب والمستضعفين في العيش بكرامة وحرّيّة، وفي الثّورة على الاستبداد والظّلم، وكسر قيد الذّل والهوان، وتطهير البلاد من الفساد والفاسدين، بل يعطيك محاضرات في تلك القضايا، ويشبعك تنظيراً حول تلك المواضيع، ولكن عندما يقع هو تحت نفس الامتحان ينقلب إلى وحش كاسر، ومستبدّ قاتل، وفاسد وقح، ولا يهمّه أن يبيد شعباً أو شعوباً من أجل خدمة مصالحه.