الجزار

الجزار

ياسر الزعاترة

بوسع شبيحة النظام المنتشرين في وسائل الإعلام أن يتهموا الجماعات المسلحة والقاعدة بارتكاب مجزرة الأطفال في الحولة، وليس مستغربا عليهم أن يفعلوا ذلك، بمن فيهم رفاق هنا وهناك أصدروا بيانات بالفعل تحمّل تلك الجماعات مسؤولية المجزرة، لكن عاقلا في طول العالم وعرضه لن يلتفت إليهم ولن يأخذ مرافعاتهم على محمل الجد.

أن يكون الأطفال من الحولة في مدينة حمص، عاصمة الثورة، وأن يكونوا من الغالبية التي تؤيد الثورة والثائرين، فهذا يعني أن “الجماعات التكفيرية” لن تقتل أطفالهم بتلك الطريقة البشعة بأي حال، مع أنها في الأصل لا تقتل الأطفال. 

الذي قتل الأطفال معروف تماما، وهو ذاته الذي قتل المئات من اتخوتهم خلال عام ونيف، وهو ذاته الذي قتل الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب. إنه الجزار الأكبر بشار الأسد، ومن ورائه كل من يقف معه من أزلام إيران وحلفائها، فضلا عن جحافل من المحسوبين على اليسار والقومية الذين يتدفقون تباعا إلى العاصمة السورية للتنديد بالمؤامرة الإمبريالية الصهيونية على نظام المقاومة والممانعة!!

سيقول “الشطار” من هؤلاء وهؤلاء إنه لا مصلحة للنظام في ارتكاب مجزرة من هذا النوع أثناء وجود المراقبين الدوليين، وأثناء مساعيه لتأكيد التزامه بخطة المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان، وهذا صحيح بالطبع، لكن من يعبئ جحافل من الشبيحة على أساس طائفي عنوانه أن هذه الثورة هي المحطة التي ستؤدي بكم إلى التهميش والقهر لأنها ستقضي على النظام الذي تستندون إليه. من يعبئ هؤلاء بالحقد الطائفي والهواجس المخيفة لا يمكن أن يضبط إيقاع عملهم بميزان المصالح والمفاسد، فضلا عن أن يكونوا أصلا من حثالات البشر الذين جمعوا بعناية كي لا يرقبوا في الثائرين إلا ولا ذمة.

عندما وجد النظام بعض التردد من قبل عسكره في تنفيذ المهمات القذرة في المدن والأحياء مطلع الثورة، وارتبك وضعه أيما ارتباك، قام الإيرانيون بانتقاء كتائب بقيادة شقيق بشار ماهر الأسد، وبالطبع على أساس طائفي كي تقوم هي لا غيرها باقتحام المدن الثائرة بالدبابات وقصفها بالمدافع والراجمات، ومن ثم اقتحامها بكل قسوة وهمجية من أجل إسكاتها وبث الرعب بين أهلها وجعلها عبرة للمدن الأخرى.

إلى جانب هؤلاء جرى تجميع جحافل الشبيحة الجاهزين للانقضاض على الناس وبث الرعب في نفوسهم في كل مكان، وهم أنفسهم الذين يتوزعون في السجون والمعتقلات يمارسون أشد أنواع التعذيب بحق المعتقلين، وهم أنفسهم الذين شوهوا جسد الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب، ومات على أيديهم العشرات من المعتقلين.

بعدما يهدأ الغبار ويرحل النظام المجرم سيكتشف الناس المزيد من هذه الجرائم التي ارتكبها هؤلاء ويغطي عليها النظام الأمني المغلق الذي يجثم على صدور السوريين منذ عقود.

لم يعلق الرفاق هنا وهناك بالطبع على تصريحات الكاتب اليساري الفلسطيني سلامة كيلة بخصوص السجون والتعذيب، فمثل هذا التعليق سيفضحهم أمام الملأ أكثر مما هم مفضوحين، ولذلك آثروا تجاهلها كأنها لم تكن واستأنفوا طقوسهم اليومية في الحديث عن المؤامرة والتنقيب عن التصريحات التي تؤكد وجودها.

اليوم تأتي المجزرة البشعة لتقبض عليهم متلبسين بالارتباك، ولن تسعفهم كل آليات الإنكار التي يجيدونها في الخروج من المأزق، وسيرى العالم أجمع دماء الأطفال تلطخ أقلامهم وأفواههم التي تجيد اللعب على الكلمات.

ليس لدينا الكثير مما نقوله في هذه المجزرة البشعة سوى أنها نتاج نظام ضالع في الإجرام يستخدم جحافل من المجرمين، لأن هؤلاء وحدهم هم من يمكن أن يتواطئوا معه في لعبة القتل والمجازر بعدما باعوا ضمائرهم للشيطان، وبعدما جرت تعبئة الكثيرين منهم بمشاعر الحقد الطائفي والخوف من المستقبل كما أشرنا من قبل.

هذه المجزرة هي رسالة للعالم أجمع بأن هذا النظام المجرم ليس في وارد التغيير ولا الإصلاح، كما أنها رسالة بالغة الوضوح لكل شريف سوري بأنه لم يعد أمام السوريين غير المضي في ثورتهم حتى إسقاط النظام الدموي مهما كانت التضحيات.

دماء أطفال الحولة ستكون لعنة على المجرم وزبانيته، كما ستكون لعنة على الذين يدافعون عنه من كل جنس ولون، وهي ستكتب بإذن الله أنشودة النصر لهذه الثورة الرائعة التي قدمت جحافل من الشهداء والمعذبين ولا زالت جاهزة لتقديم المزيد.