يا أيّها الراقصون على جراحنا: ارحمونا

مجاهد مأمون ديرانية

الثورة السورية: خواطر ومشاعر (59)

يا أيّها الراقصون على جراحنا: ارحمونا

مجاهد مأمون ديرانية

أخبِروني يا أيها العارفون: كم ساعةً يحتاج الدم حتى يجفّ؟ إذا كان دمَ جَرْح فكم يحتاج وإذا كان دمَ ذَبْح فكم يحتاج؟ إذا كان دم جريح واحد فكم يحتاج وإذا كان دم مئة ذبيح فكم يحتاج؟

أكتب هذه الكلمات مساء الإثنين ولمّا تنقضِ سبعون ساعة على ذبح مئة من  أطفال الحولة وحرائرها، فهل تكفي الساعات السبعون حتى يجفّ الدم المسفوح؟

في هذه الساعة استقبلت زوجتي مكالمة هاتفية تدعوها إلى حفلة عرس موعدها بعد ثلاثة أيام. لا، لا تذهبوا بأفكاركم بعيداً. ليس مَن يدعو إلى الحفلة عائلةً من الأسكيمو أو من الصين، ولا من مصر أو المغرب، بل وليست من حلب أو دمشق... إنها من مدينة من مدن الوسط السوري المنكوب.

يا أيها الداعون: كيف تطيب نفوسكم أن تعزفوا المعازف وأن تَطربوا وترقصوا وتفرحوا والدمُ المُهراق قد أغرق الأمّة في الأحزان؟ أما سمعتم بما فعل القَتَلة المجرمون؟ أما رأيتم الضحايا يغطّون رقعةَ الأرض، ذبيحاً بجوار ذبيح وذبيحاً بين ذبيح وذبيح؟ إمّا أنكم لا تسمعون ولا تبصرون أو أنكم بلا قلوب.

لي خالة لم تصنع شيئاً منذ ثلاث سوى البكاء. لا أتصل بأحد من الناس إلا وجدته مِرجلاً يغلي أو بركاناً يستعد للانفجار. العالم كله يعيش تحت الصدمة، بشرقه وغربه وعَرَبه وعَجَمه ومُسلمه وكافره... ثم يأتي قوم منا، من أهلنا، بل من أقرب الناس إلى أرض المأساة، فيحتفلون ويطربون ويرقصون ويفرحون؟

يا من لا تبالون أن ترقصوا على جراح الأمة وجثث شهدائها: إن شئتم أن ترقصوا فارقصوا منفردين، لا تتصلوا بنا ولا تَدْعونا إلى حفلاتكم. لا تطعنونا مرتين؛ ارحمونا من استهتاركم بمشاعرنا، ارحمونا من استخفافكم بآلامنا وأحزان قلوبنا ودموع عيوننا.

يا من لا تبالون أن ترقصوا على جراح الأمة وجثث شهدائها: أشكوكم إلى الله.