رسالة إلى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح

رسالة إلى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح

حسام مقلد *

[email protected]

"اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحَّدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوثِّق اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبُلَها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكُّل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير، اللهم آمين، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"

سعادة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح: أعلم يقيناً أنك قد رددت هذا الدعاء الخاشع مئات بل آلاف المرات، وأجزم أن لهذه الكلمات المخلصة في قلبك ووعيك وعقلك الكثير من المعاني النورانية والدلالات الإيمانية العميقة، وأتوقع أن تفجِّر في وجدانك الكثير من مساحات الذكريات والأفكار والتأملات، وأتمنى أن تثير في أعماقك الكثير والكثير من التساؤلات والرؤى والتصوُّرات والافتراضات والمناقشات والموازنات...، وأتخيل أن تتقافز إلى ذهنك صور أشخاص أعزاء على قلبك رافقوا دربك وشاركوك حلمك، "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" نعم هناك الكثير من أحبابك وخلصائك الذين ينتظرون قرارك بتصحيح المسار لتحقيق الحلم والغاية الكبرى التي قضيتم في سبيلها زهرة شبابكم وتحملتم لإنجازها الكثير من الآلام، وضحيتم معاً بالغالي والنفيس، ودفعتم من أجلها ثمنا باهظاً.

سعادة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح: أُشْهِد الله تعالى أنني من أخلص محبيك، ومن أشد المعجبين بأفكارك وتسامحك وحكمتك وعقلانيتك، ومن المتحمسين ـ بل وربما المتعصبين ـ لرؤيتك الحكيمة للإسلام بمفهومه الحضاري المتكامل، وقِيَمِه الراقية ومُثُلِه العليا ورؤيته الشاملة للكون والحياة!! ومع ذلك فسوف أنتخب الدكتور محمد مرسي ولن أنتخبك رئيسا لمصر في الانتخابات القادمة؛ لأسباب كثيرة، ومبررات قوية أنا على ثقة تامة من  أنك أنت نفسك لو تأملتها وفكرت فيها بهدوء لكنت أول المقتنعين بها والمدافعين عنها والداعين إليها، فسمات حضرتك الشخصية ومميزاتك الفكرية التي عرفناك بها على مدى عقود من الزمن لا يمكن أن يفُوتَها شيءٌ من ذلك.

سعادة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح: إنني ومعي كثيرون من محبيك المقتنعين بأفكارك ندعو حضرتك للانسحاب من الانتخابات وتأييد الدكتور محمد مرسي والوقوف بقوة مع حملته الانتخابية، وأنا أدرك تمام الإدراك أن كثيراً من أنصارك سيسخرون من هذه الدعوة، وربما ظنوها محاولة ساذجة من بعض الدراويش الحالمين الذين لا يفهمون في السياسة ولا يعرفون ألاعيبها ودسائسها المعقدة، ومع ذلك فإنني وبكل الحب والاحترام والتقدير لشخصك الكريم أكرر دعوة سعادتك للانسحاب من الانتخابات وتأييد الدكتور محمد مرسي ودعوة أنصارك للوقوف بكل قوة مع حملته الانتخابية من أجل مصر ومن أجل مصلحة شعب مصر العظيم، وأناشدك للإسراع في ذلك باسم الإسلام الذي يسري الإيمان به وبمنظومته القيمية الحضارية في كيانك، وباسم مصر التي تعشقها ويسري حبها في كل ذرة منك، وعندي من المبررات المقنعة والأسباب القوية والحجج الدامغة ما يجعلني ألح عليك في الإسراع إلى اتخاذ هذا القرار الشجاع قبل فوات الأوان، ومن هذه الأسباب ما يلي:

أولا:

لا نظن مطلقاً أن أعداء مشروع النهضة المصري ذي المرجعية الإسلامية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي يقفون منذ اندلاع ثورتنا المباركة مكتوفي الأيدي، أو أنهم يكتفون بموقف المتفرج على ما يجري على الساحة المصرية، وأنهم سينتظرون حتى تخرج عليهم مصر بعد سنوات قليلة ماردا اقتصاديا وتكنولوجيا قويا يمكنه أن يعارض مشاريع هيمنتهم على المنطقة، وبالتالي فالقوى الدولية قد اتخذت قرارا لإفشال أي مشروع نهضة مصري، وهذا طبيعي ومفهوم، ويؤيده موقف هذه القوى من كوريا الشمالية وإيران وباكستان وكل الدول التي تسعى لامتلاك أسباب القوة والاستقلال الوطني، وتأسيساً على ذلك فمؤكد أن هذه القوة عينها ستحارب بأساليبها المختلفة مشروع  الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لنهضة مصر، ونظراً لأنه مشروع فردي لا تدعمه مؤسسة قوية (على عكس مشروع الدكتور محمد مرسي) فستكون قدرة أعداء مصر على إعاقته ـ إن لم يكن سحقه ـ كبيرة، وتجارب التاريخ في القديم والحديث تؤكد ذلك، ولعلنا نتذكر كيف تم احتواء محمد علي وقصقصة أجنحته وتقليص نفوذه ونفوذ مصر الذي امتد إبان حكمه، ولعلنا نتذكر كذلك كيف قضوا على أحلام  الخديوي إسماعيل في تحديث مصر عن طريق إغراقها في الديون، ثم إسقاطها في براثن الاحتلال الإنجليزي الذي دام سبعة عقود كاملة!! 

ثانيا:

من النواميس والسنن الكونية التي أوجدها الله تعالى في هذا الكون أن رَفْضَ الشورى الجماعية، واتِّباع هوى النفس، والخروج على الصف، وتمزيق وحدته، وبث عوامل الفرقة والانقسام والتشظي بين الناس لا يمكن أبدا أن تكون هذه الوسائل هي طريق النهضة والإصلاح!! ولا يمكننا دعوة جماعة ما أن تترك مشروعها التي تتبناه وفق آليات شورية وديمقراطية محددة وشفافة لتدعم هي مشروع فرد واحد اجتهد في رأيه وتمسك به وخرج عليها مصراً على تنفيذه!!

ثالثاً:

من المعلوم  للعامة والخاصة في مصر أن القرص الصلب للدولة المصرية في أيدي العسكر، وواهم  واهم من يظن أنهم سيتخلون عن ذلك ببساطة أو بسهولة، وقد قال الكثيرون مرارا إن ثورة 25يناير بالنسبة للعسكر قد حققت أغراضها بخلع مبارك وإسقاط مشروع التوريث، ومن ثم فالثورة قد انتهت من وجهة نظرهم، ومهمة المجلس العسكري طوال المدة الماضية تمثلت في حماية جسم النظام السابق حتى يتم إعادة إنتاجه بوجوه ورؤوس جديدة، وتشويه سمعة الإسلاميين وتنفير الناس منهم وفضهم عنهم وتفريق القوى الوطنية المصرية المختلفة لتعويق الانتقال الحقيقي والشامل للحياة الديمقراطية الصحيحة، وبالتالي فالإصلاح ليس شاملا وجذريا، وإنما هو بمقاسات خاصة وفي حدود معينة تكفل بقاء النظام السابق، ومن يشكك في هذه الرؤية عليه أن يقدم لنا تفسيرا منطقيا للأزمات التي افتعلها المجلس العسكري على مدى السنة وربع الماضية، ولِمَ لَمْ نعرف حتى الآن المسئولين عن أحداث الفتنة الطائفية في إمبابة وماسبيرو، والمسئولين عن سقوط عشرات بل مئات القتلى في أحداث مجلس الوزراء وشارع محمد محمود وإستاد بورسعيد وأخيرا في ميدان العباسية؟!!

رابعاً:

لا يفهم الكثيرون الإصرار على تفتيت الصوت الإسلامي في انتخابات الرئاسة المقبلة، كما لا يستوعب معظم المحللين تأييد قطاع من القوى السلفية المفاجئ للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح؛ لأن مجمل طروحاته السياسية والفكرية بل وحتى الدينية تتعارض تعارضا واضحا بل وجوهريا مع طروحات هذه القوى، والأغرب أن مثل هذا التأييد السلفي لأبي الفتوح قد شكك الليبراليين المؤيدين له، وهناك شكوك عميقة لدي قطاع واسع من السلفيين بأن هناك لعبة ما يجري ترتيبها، ويتوقعون أن يتم خداع أبي الفتوح وإخراج جميع الإسلاميين من سباق الرئاسة لصالح أحد الفلول الذي سيبدأ فورا بعد حصوله على الشرعية عقب انتهاء الانتخابات في استعادة النظام القادم بوجوه جديدة، ولا يستبعد أن يحل مجلسي الشعب والشورى، ويزج بمن سيعارضه من الإسلاميين في السجون بحجة خروجهم على شرعية الرئيس!!

خامساً:

يكاد يجمع أغلب المراقبين المحايدين والمحللين السياسيين الغربيين على نجاح الإخوان المسلمين في إدارة اللعبة السياسية طوال الأشهر الماضية عقب خلع مبارك، ورغم الأخطاء التي ارتكبوها ـ وهذا وارد وطبيعي جدا ـ إلا أنهم لا يزالون يحتفظون ببريقهم ووهجهم الشعبي المتألق في أرض الواقع من خلال تواصلهم المباشر مع المواطن المصري بعيدا عن أزيز وزعيق الفضائيات وصخبها، وتؤكد الاستطلاعات العلمية المحايدة أن الحملات الإعلامية الموجهة ضد الإخوان المسلمين والساعية لتشويه سمعتهم واتهامهم بالتكويش على البلد قد باءت بالفشل الذريع، ولم تحقق نجاحا يذكر على الأرض؛ لأنها حملة ظالمة ومضَلِّلَة، والشعب المصري ذكي ويعرف من يسعى لخدمته وتحقيق مصالحه، ويعرف كذلك من يخدعه ويسرق أحلامه، ويؤمن أعلب المصريين بأن من حق الإسلاميين أن يمنحوا الفرصة الحقيقية الكاملة لتحقيق مشروع نهضتهم، وترى أغلب قطاعات الشعب المصري أن الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان وحزب الحرية والعدالة والهيئة الشرعية للإصلاح وكثير من النقابات والكتل التصويتية هو الأجدر في هذه المنافسة لوضع مشروع النهضة الإسلامي على المحك.

وكلنا أمل في أن يراجع سعادة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح نفسه، ويعيد تأمل الموقف بالكامل، وأسأل الله تعالى أن يوفقه لاتخاذ الرأي السديد الذي ينفع مصر وأهلها، وأتمنى منه ومن جميع مؤيديه من القوى الإسلامية والليبرالية المختلفة ألا ننسى لحظة واحدة أننا جميعا في النهاية مصريون، وأن الخلاف في الرأي ينبغي ألا يفسد للود قضية، وأن نبتعد تماما عن تجريح الآخرين المخالفين لنا أو الإساءة إليهم بأي شكل من الأشكال؛ لأننا في النهاية نخوض معركة قيم ومبادئ، ونسأل الله أن يخرج جميع المصريين منها منتصرين.

               

 * كاتب إسلامي مصري