بل منحازون للشعوب وحريتها وكرامتها

بل منحازون للشعوب وحريتها وكرامتها

ياسر الزعاترة

يحلو للبعض أن يقدم نفسه للناس بوصفه سيد الحكمة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بينما ينقلب الآخرون على مواقفهم، وينقلون البندقية من كتف إلى كتف، ويحتكمون للمذهبية لا أكثر.

نسمع هذا الكلام مرارا وتكرارا ونسكت عليه لأننا ندرك أن القراء يعرفون من هم الذين ينقلبون على مواقفهم، ومن هم الذي تقلبوا على موائد شتى، في ذات الوقت الذي يعرفون فيه من يأخذون مواقفهم بناءً على رؤىً مستقلة لا تنتظر عطايا من أي أحد.

لقد كنا مع حزب الله ووقفنا معه طيلة سنوات، ورفضنا حشره في الإطار المذهبي رغم وضوح خطابه، حدث ذلك لأنه كان يواجه العدو الصهيوني، لكن وقوفه إلى جانب النظام السوري في قمعه لشعبه لم يترك لنا مجالا غير انتقاده، فضلا عن تحويل سلاحه إلى عنصر حسم في الصراع الداخلي بعد استقرار “اليونفيل” على الحدود، ومن ثم قيامه بتهميش السنَّة الذين لا يمكن أن يُختصروا في سعد الحريري بزعامته البائسة التي حجمت فئة كانت تاريخيا عماد التوازن في لبنان.

كنا مع النظام السوري يوم كانت الأمة مقسومة بين محورين (محور الاعتدال ومحور المقاومة والممانعة)، مع التذكير بأن قطر المتهمة بالاستقطاب من الأبواق إياها هذه الأيام كانت محسوبة على المحور الثاني الذي طالما دبج رموزه فيها معلقات المديح)، والسياسة في نهاية المطاف تقدير موقف وموازنة بين مصالح ومفاسد. كانت للنظام السوري مواقفه المساندة للمقاومة. صحيح أنها كانت تنطلق من اعتبارات ذاتية، لكن السياسة لا تبحث كثيرا في النوايا؟.

حين يجد الناس أنفسهم أمام حسني مبارك بعمله الدؤوب لصالح الكيان الصهيوني، إلى جانب آخرين على شاكلته، كان لا بد أن يصطفوا إلى جانب بشار الأسد الذي يساند المقاومة في فلسطين ولبنان، وكم تمنى المخلصون أن يبادر إلى الإصلاح السياسي، وكم دعوا إلى ذلك قبل الربيع العربي.

بعد الربيع العربي كان الموقف مختلفا. لقد خرج الشعب السوري يطلب الحرية، تماما مثل الشعوب الأخرى، فرد عليه النظام بالرصاص الحي، واستنفر طائفته والأقليات الأخرى في سياق واضح، هو الذي لم يخرج أصلا من عباءة الطائفية في بنيانه الداخلي، وإن تجاهل المخلصون ذلك لأن الأولوية كانت لفلسطين ومواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي.

هنا كان لا بد من فضح القضية والانحياز للشعب السوري، وقد قلنا غير مرة، إننا نرفض أن تكون حرية فلسطين على حساب الشعب السوري، وإن مواقف النظام الخارجية التي لم ننكرها يوما لا تمنحه حق قتل الناس، مع التذكير بمواقف سابقة في الاتجاه المعاكس، مثل الاصطفاف في حلف حفر الباطن واستهداف المقاومة الفلسطينية في لبنان.

إيران تدخل في ذات السياق، فهي كانت تقف إلى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين، ورغم خلافنا معها في العراق وقضايا التبشير المذهبي (كتبنا هذا عشرات المرات)، إلا أننا رفضنا جعل الصراع معها أولوية مقدمة على الصراع مع الاحتلال الأمريكي، لأن نجاح مشروع الاحتلال سيعيد تشكيل المنطقة برمتها على مقاس المصالح الصهيونية.

عندما أمعنت إيران في مذهبيتها داخل العراق، وتاليا بدعمها إجرام نظام الأسد، كان لا بد من فضح هذا البعد في سلوكها السياسي، ومقالاتنا هنا وفي مواقع أخرى واضحة في دعوتها (أعني إيران) لتحكيم العقل وعدم دفع الأمة إلى صراع مذهبي واسع النطاق لن يستفيد منه غير الأعداء. وكم كتبنا عن أن المذاهب تؤخذ في معظمها بالوراثة وإن من حق أي أحد أن يتبنى المذهب الذي يريد، وأن مشكلتنا مع إيران وحزب الله هي مشكلة سياسية تتمثل في نصرتهم للنظام المجرم في دمشق.

نعم، هم الذين أسفروا عن مذهبيتهم، ونحن لم ننتصر لنظام عربي أيا كان مذهبه، وكم كتبنا حول أهمية حراك الشعوب الخليجية وضرورة إصلاح أنظمتها، واعتبرنا أن لشيعة البحرين مطالب محقة رغم كونهم أكثر بقليل من نصف السكان وليس 75 في المئة مثل السنة في سوريا.

تبقى حكاية روسيا والصين، إذ أن ترحيبنا بتحدي هذه الدول للولايات المتحدة، وبالتعددية القطبية تبعا لخدمتها للمستضعفين في الأرض لا يعني تزكية الأقطاب الجديدة، بقدر ما يتعلق الأمر بكل موقف من مواقفها، وحين تقف إلى جانب نظام بشار وتناهض جماهير الأمة، فمن الطبيعي أن ندين ذلك بكل وضوح.

نحن مع المقاومة ومع فلسطين ومع رفض التبعية للأجنبي أيا كان، لكننا مع حرية الشعوب قبل ذلك، ولسنا معنيين لا بسلطة ولا بحكومة. وحين ندافع عن الإسلاميين، فنحن ندافع عن خيارات الشعوب، من دون أن نداهن أحدا أيا كان. وكم انتقدنا إسلاميين اجتهدوا في اتجاهات رأيناها عبثية كما هو الحال في الجزائر والعراق.

نحمد الله أن الإنترنت يحتفظ بكل ما يكتبه الناس، ومؤسف أن “غوغل” ليس قديما لكي يرى الناس ما كان يكتبه بعض “سادة الحكمة” قبل أكثر من عقد من الزمان.