حقيقة الإنسان في الوحي

حقيقة الإنسان في الوحي

محمد فريد الرياحي

[email protected]

إنه لا حقيقة للإنسان إلا في الوحي، ولا كيان له إلا به،  ولا هوية إلا منه، ولا وجهة إلا إليه، ولا أمن إلا معه.

فهو الحق والحقيقة في الميزان الذي لا يستوفي ولا يخسر، منه تصدر المعرفة، وفيه يعود العلم، وهو المطلق

الذي لا تحده الحدود، ولا تجمعه القيود، ولا تحدده النسب، يرقى فوق الزمان والمكان، ويسع الكون الظاهر

والغيب الباطن، يعرف ما كان، وما سيكون وما هو كائن. وحقيقة إطلاقه في سعته التي وسعت عالم الشهادة

وعالم الغيب، وإطلاق حقيقته من قدوسية خطابه الذي جمع الحقائق والدقائق كلها، فلم يفرط من شيء فيها،

ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها عدّا بالإشارة والعبارة، والصورة والتوقيع والإيقاع داخل مساق من

الإيجاز والإعحاز يعرفه البشر بعلاماته الدالة عليه، ونعوته المشيرة إليه، لا يستطيعون له محاكاة أو تقليدا، ذلك

بما فيهم من العجز على المجاراة، وبما هيئوا له من العمل بالوحي وفقا لما تدعو إليه الفطرة، وتقتضيه الطبيعة،

وتوجبه النحيزة، فليس لهم أن يقلدوه، وليس في وسعهم هذا التقليد ولو اجتمعوا له، وما كان لهم أن يحاكوه، ولكن

كان عليهم أن يحققوه فعلا فيهم وفي الوجود من حولهم، وفي هذا التحقيق حياتهم ومعاشهم، ووجهتهم التي فيها

اتجاههم، وحقيقتهم ما ظهر منها وما بطن، وما نطق وما سكن. ولقد جمع الوحي من الآيات البينات، والإشارات

المشرقات، ما به أجمل وفصل، وقوم وعدل، وحلل وأول، وفسر وعلل، وأظهر وبين، وحدد وعين، ودلل وبرهن.

فكانت الحجة البالغة بالغة الإنسان، شاهدة عليه بما وثق من الميثاق، والتزم من العهد، وربط من العقد، وحمل

من الأمانة، وكان له وعليه من الحجة الشاهدة المشهودة التي تكلـمه بما له أو عليه، فلا يستطيع لها ردا أو دفعا.

إن في الوحي جمعا للحقائق كلها في الحقيقة المثلى التي هي العبادة. وما خلق الإنسان إلا لتكون  وجهته وحجته،

وطريقته وحقيقته في العبادة التي جمعت فيها معاني الأمانة التي حملها الإنسان حملا من بعد أن عرضت عليه،

فكان العهد، وكان العقد والاعتقاد، وكانت العقيدة فيما انعقد من الأمر، وما انعقدت عليه حركات الإنسان وسكناته

في الذات وفي الجماعة  التي في الأمة وجودها وكيانها.ولا يقوم الاجتماع إلا من بعد أن تميز الجماعة الحق من الباطل،

وقد كانت في حيرة من أمرها، وتحير من قدرها، وخبط من مصيرها. ولا تركن الأمة إلى قدرها إلا في جامع

من الاجتماع، ولهذا كان الوحي ليجمع ولا يكون الجمع إلا في الفرقة والفرقان، ولن يكون الجمع إلا من بعد الفرقة

والفرقان، وقد خلق الإنسان من أجل الاجتماع في الافتراق داخل سياق هو سياق العبادة التي من التوحيد أصلها،

وإلى التوحيد مردها، وفي الوحي اتفاق واجتماع على الخلاف والاختلاف، فيما كان من العقل اجتهادا. والاجتهاد

مطيته الاختلاف في الرأي، ورَكوبه التمايز في الفكر، وغايته تحقيق الدخول في الحق الذي به يحقق روح الوحي

أي العبادة، وليست تفهم العبادة إلا في معناها الواسع المتسع الذي يشمل الحركات والسكنات التي تستقيم بها شؤون

الإنسان في عالم الشهادة، فإن استقامت كانت له حجة في الشهود في عالم الغيب. وما نزل الوحي إلا من أجل الاتفاق

في الاختلاف، وقد كان الناس شعوبا وقبائل، والاختلاف في الاتفاق، وقد كان انعقاد الأمة على الاعتناق، فاختلفت في البحث

عما يمكـنها من الحفاظ على الاتفاق والوفاق بينها. وفي هذا تحقيق للوحي الذي هوعبادة في الاجتماع، واجتماع في العبادة.