أمن و ليسوا عصابات وشبيحة
أمن و ليسوا عصابات وشبيحة
معاذ عبد الرحمن الدرويش
كان أول دخول لي إلى قسم شرطة،راجعت الموظف المختص كما أرشدني موظف الاستعلامات قال لي الموظف : موضوعك عند العقيد رئيس القسم.
خفق قلبي و ارتجف ، عقيد و رئيس قسم مرة واحدة،طمعت بأخلاق و ادب الموظف فتملقته كثيراًن يحل لي موضوعي لكنه أصر على ان الموضوع عند رئيس القسم.
حملت ارتجافة يدي و قلبي و صعدت إلى الدور الثاني حسب ما وصف لي الموظف.
كان باب مدير مكتب العقيد رئيس القسم مفتوحاً ، فدخلت،،،،و كان باب رئيس القسم مفتوحاً أيضاً و واضح انه مليئ بالضيوف حيث تصدر منه أصوات متداخلة و ضحك .
- السلام عليكم
- و عليكم السلام
حاولت ان أشرح لمدير المكتب قصتي فقاطعني و قال لي :
- تفضل يا أخي رئيس القسم موجود بالداخل ...
قلت : واضح أنه مشغول و عنده ضيوف
قال : تفضل يا أخي ليست مشكلة
سلمت أمري إلى الله و دخلت ...
السلام عليكم :
وقف العقيد من وراء مكتبه الفخم و عليكم السلام
سلم علي و دعاني للجلوس على احد الكراسي
دخل على الفور صبي أسيوي و قدم لي فنجان من القهوة العربية.
ازدادت ورطتي أكثر في داخلي
قلت في داخلي من المؤكد ان العقيد خالني شخصية كبيرة و قد احاطني بكل هذه الرعاية و الاهتمام ، بعدما تجرأت على مكتبه و هو مليء بضيوف واضح انهم مقربون جداً .
لحظات ثم توجه إلي بالكلام .
- تفضل يا آخي ما موضوعك
تلعثمت بادئ الأمر بالكلام ثم جمعت قواي و سردت له ما أريد
قال لي :
تغيرت معالم العقيد فجاة و اكفهر وجهه
- من بعثك إلى هنا
قلت في داخلي لا حول و لا قوة إلا بالله العلي القدير لقد تورطت و صدقت كل ظنوني السابقة
حاولت ان اتهرب من الإجابة ، لكنه أصر على معرفة من الذي بعثني إليه.
قلت له الموظف الفلاني.
رفع سماعة الهاتف ، و قلبي يكاد ينفطر لما ستؤول إليه الأمور.
تكلم مع الموظف بنبرة حادة
- احترموا أوقات الناس يا عبدالله و لا يجوز الاستهتار بها إلى هذا الحد ،أرشدوهم بشكل صحيح و يسروا أمورهم نحن هنا لخدمتهم و ليس لتعطيل أشغالهم .
في هذه اللحظات ارتخت أعصابي المحترقة ، و غبت عن المكان و الزمان و عدت بذاكرتي إلى الوراء قليلاً عندما استدعتني إحدى الجهات الأمنية بالوطن و تركوني على باب المحقق منذ الصباح حتى المساء ثم طلبوا مني العودة مرة ثانية و ثالثة و رابعة حتى التقيت بالمحقق مؤخراً ، و جريمتي كانت انني أرسلت رسالة أدبية إلى مجلة العربي و كان ذلك بمثابة تهديد لأمن الوطن كما افهموني ، وطلبوا مني التوبة حتى أحصل على الغفران.
و تذكرت أبن خالي و جارنا محمود بالحارة و غيرهم من الشبان الذين قضوا بالسجون لأكثر من عشر سنين بسبب تقرير أمني خاطئ.
تذكرت و تذكرت............
عدت إلى حيث كنت بينما رئيس القسم يطلب مني السماح على هذا الخطأ الذي وقع
ثم يأمر مدير مكتبه بإنهاء موضوعي ، تكفيرا عن الخطأ الذي ارتكبوه بحقي حسب تقديره.
هذا ليس حلماً ، و إنما قصة حقيقة حدثت معي في بلد عربي ، لكنه من الاكيد ليس في سوريا
هؤلاء هم رجال الامن و الأمان الحقيقيون و ليسوا عصابات الأسد و شبيحته الذين زرعوا في داخلنا كل هذا الخوف و الجبن منذ نعومة أظفارنا .
حيث أننا كنا نشعر انفسنا غرباء عن وطننا منزوعي الكرامة و الإنسانية مهددين لمجرد دخولنا أي منطقة أمنية "إرهابية" أو عسكرية"احتلال" ابتداء من معسكرات "طلائع البعث " و نحن في الابتدائية ثم معسكرات "شبيبة الثورة " ثم التدريب الجامعي ثم الخدمة الإلزامية أو في اي مخفر شرطة أو قسم أمن أو أي قطعة عسكرية.
من أجل ذلك اعذروا جبني و خوفي .
و اعذروا التصاق روحي بالغربة بعدما كان الوطن أكثر وحشة من القبر .
لكن املنا بالله كبيراً ان يعود الوطن صدرا ً حنوناً يضم كل أبنائه و يعيدهم إلى كنفه الدافئ الحنون بعد ان ننظفه من كل تلك السرطانات المعششة في جوفه.