الإسلاميّون .. يدٌ واحدةٌ !

الإسلاميّون .. يدٌ واحدةٌ !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في العام الذي مضى جرت انتخابات نقابة مهنية مهمة ، وتقدم للترشح على منصب النقيب مجموعة من المحامين الفضلاء بصفتهم الإسلامية أو مدعومين من الإسلاميين ، وفي المقابل كان المرشح المنافس من اليساريين ، وكانت نتيجة الانتخابات فوز المرشح اليساري الذي تكتل وراءه خصوم الإسلام من الناصريين والشيوعيين والليبراليين وأصحاب الثارات فضلا عن جهات نافذة في النظام .. حصلت المجموعة الإسلامية أو المدعومة من الإسلاميين على 87 ألف صوت فيما أذكر ، بينما فاز المرشح اليساري بنحو 32 ألف صوت ، وكان الفارق بينه وبين أقرب منافسيه من الإسلاميين حوالي أربعة آلاف صوت ..

المرشحون في الجانب الإسلامي لم يتفقوا على واحد منهم ، ولم يتنازل أحد للآخر ، فتفتت الأصوات المؤيدة لهم ، ولم يتجاوز أحدهم العدد الذي حصل عليه المرشح اليساري بل كان أفضلهم حظا يقل عنه أربعة آلاف صوت كما سبقت الإشارة ، وهكذا طار منصب النقيب من الإسلاميين ، وصارت النقابة تتحرك في اتجاه يتناغم مع التصور اليساري المخالف بالضرورة للتصور الإسلامي ، حتى لو بدا أن العمل النقابي معني بشئون المهنة والأعضاء ، فهناك مواقف قومية وسياسية واجتماعية تقتضي أن يكون للنقابة صوت ورأي ووجهة نظر ، وعادة يكون للنقيب الصوت الأعلى من صوت مجلس النقابة ولو كان أفراده جميعا مخالفين له في التوجه ، وهو ما لم يكن قائما في النقابة المذكورة !

بالطبع لو كان الإسلاميون قد اتفقوا على مرشح واحد منهم أو مدعوما بأصواتهم لكانت النتيجة فوزا كاسحا يعبر عن الإرادة الغلابة والرؤية الحقيقية لجموع النقابة ، ولكن الإصرار على احتكار الصواب أو إرضاء الذات ، أو الرغبة في مكايدة الآخرين لسبب وآخر ، أو الإحساس بالتهميش من جانبهم قد يدفع إلى مخالفة المجموع والتصرف بما يهدم البيت على رءوس من فيه ! وهو ما حدث بالضبط في النقابة العريقة !

مثال آخر جري في نقابة الصحفيين مؤخرا ، حيث أرغم الشيوعيون والناصريون والليبراليون وصحفيو لاظوغلي مجلس النقابة على سحب أعضائها المنتخبين للجنة التأسيسية للدستور ، وهو أمر كما يعلم الناس جميعا مخطط من قبل الأقلية الديكتاتورية التي خدمت النظام السابق ، وتريد تعطيل الديمقراطية وضرب الثورة في مقتل والدعوة إلى انقلاب عسكري يطيح بالحرية والديمقراطية ، وقد جاهر بذلك بعضهم في صفاقة ليست غريبة عليه في الصحافة والإعلام ..

لقد تجمع عدد كبير من الشيوعيين والناصريين والليبراليين في النقابة ، وهتفوا ضد اللجنة الدستورية والإسلاميين ، وأرهبوا مجلس النقابة ، في مقابل خمسة عشر صحفيا لا يزيدون من الإسلاميين ؛ كان صوتهم خافتا وضعيفا للغاية ، واستطاعت الأقلية الديكتاتورية التي رباها النظام السابق أن تحقق كسبا في المعركة الشيطانية التي أشعلوها ، وبذا تنضم نقابة الصحفيين إلى الأزهر والكنيسة وأحزاب الأقلية المخاصمة للإسلام لتعطيل العجلة الديمقراطية والضغط على الأغلبية التي انتخبتها الملايين !

ترى لو أن الإسلاميين اهتموا بعضوية النقابة ، وشاركوا مثل غيرهم في نشاطها واهتماماتها ، هل كانت تنسحب من اللجنة التأسيسية للدستور ، وتمنح الأقلية الديكتاتورية ورقة ضغط على الأغلبية المنتخبة ؟

من المفارقات أن لجنة القيد في النقابة استقبلت نحو أربعمائة طلب للحصول على العضوية أوائل الشهر الحالي ، بينما لم تستقبل طلبا واحد من الصحف والقنوات الإسلامية ، مع أن هناك أكثر من أربعة صحف إسلامية جديدة تضم عددا كبيرا من الشباب الواعد ، الذي يمكن أن يحقق نوعا من التوازن في هذا الكيان المهني المهم !

السؤال لماذا لا ينظر الإسلاميون نحو المستقبل البعيد ؟ ولماذا لا يتعاملون مع فقه الأولويات بصورة منهجية تخدم قضايا الإسلام والمسلمين ؟

إن بعض الإسلاميين مثلا يهتم بمصالحة عضوين في جماعته أو تنظيمه ، ويذهب إليهما في أقصى البلاد والأماكن ، ولكنه لا يفكر في إنشاء مرفق إعلامي أو دعم مؤسسة إعلامية تدفع عن الإسلام والمسلمين هجمات أعدائهم وخصومهم .. بل إن سؤالا يطرح نفسه بإلحاح : لماذا يتكاسل المسلمون وفيهم كثير من الأغنياء ، عن إنشاء صحف جديدة وقنوات فضائية في عصر الثورة الذي أتاح لخصوم الإسلام إنشاء عشرات الصحف والقنوات التي يصب أغلبها في خانة العداء للإسلام والمسلمين كما رأينا في السنة الماضية مع أن النظام المجرم الفاسد قد تهاوي ؟

سأفترض أن المسلمين جميعا فقراء ، لماذا لا تؤسس التنظيمات والأحزاب والجماعات الإسلامية شركات مساهمة قوية للإعلام والنشر والترجمة تخدم الأمة وتدافع عنها وتحقق توازنا أمام الهجوم الكاسح الذي يشنه خصوم الإسلام مدججا بالأكاذيب والتدليس والتضليل ، كما نرى في موضوع الانتخابات الرئاسية على سبيل المثال ؟

ثم لماذا يتصور بعض الإسلاميين أن التجمعات الإسلامية يفترض أن تكون متخاصمة ومتنازعة ، بينما القرآن الكريم يقولها صريحة : " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " ( آل عمران : 103) .

إن العمل لإسلامي يجب أن يكون بعيدا عن عصبية الانتماء لهذه الجهة أو تلك ، لأنه عمل خير ، يقوم على المنافسة إرضاء لله ورسوله " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " ( المطففين : 26) . ومن هنا فالعمل الإسلامي العام يقوم على التكامل ، من يتحرك في المجال الاجتماعي ، يسانده من يتحرك في المجال الاقتصادي ، يعضده من يمارس السياسة ، وهكذا ، بل إن هناك شيئا يعرفه السياسيون اسمه توزيع الأدوار لماذا لا يوضع في الحسبان؟.. ثم إن خصوم الإسلام لا يفرقون بين إخواني أو سلفي أو صوفي أو جهادي أو من ينتمي إلى هذا الحزب الإسلامي أو ذاك . إنهم يرون الإسلاميين نوعا واحدا وخطرا واحدا وعدوا واحدا ، ولذا يتآلفون جميعا ضده مع ما بينهم من خلافات وشقاقات وأطماع .

لقد آن الأوان أن يتوحد الإسلاميون جميعا على الأهداف العليا المشتركة ،وأن يدافعوا عن أنفسهم بوصفهم أمة واحدة ،وألا يتركوا المجال لخصومهم كي ينفردوا ببعضهم ..

ولعل هذه المناسبة تجعلنا ندعو أصحاب الرأي وأرباب الحكمة من الإسلاميين أن يعملوا على تقديم مرشح واحد لانتخابات رئيس الجمهورية يحظي بدعم الأمة في مواجهة فلول النظام الفاسد وأنصار الفكر المعادي للإسلام وعملاء الغرب والصهيونية ، مع الإفادة من المرشحين الإسلاميين الآخرين في التعاون على حمل المسئولية ! لأننا نريد رئيسا يعزز استقلال مصر ويقويها ويرسخ رغبتها في التقدم والبناء وردع الأعداء ، ويؤكد على قدرة الإسلام على تحقيق إنسانية الإنسان في كل مكان وزمان .والله من وراء القصد .