حزب الله القلق على من وعلى ماذا يصبر؟

حزب الله القلق على من وعلى ماذا يصبر؟

حسان القطب

حزب الله في حيرة، ممارساته السياسية متعددة المسارات في الداخل والخارج، وتصريحات مسؤولية العلنية وتسريباته الإعلامية تدل وتؤشر على أنه يعيش حالة ارتباك سياسي، إلى جانب القلق الأمني، خاصةً بعد أن أيقن أن حليفه الأساسي بشار الأسد سوف يغادر السلطة إلى غير رجعة.. فحزب الله يطلب إلى الجميع  تجنب الخوض في مشاكل سورية الداخلية، ويتبنى شعار النأي بالنفس، ولكنه فعلياً منغمس من رأسه حتى أخمص قدميه في الشأن الداخلي السوري، وخطاب نصرالله الأخير أكد هذا الانخراط حين طرح خارطة طريق تتبنى الحوار بين السلطة والمعارضة طريقاً لحل الأزمة السورية، بينما كان في السابق وعلى لسانه شخصياً ينكر وجود المعارضة بل حتى الاعتراف أن هناك مشكلة سياسية وأمنية في سوريا، وتم تثبيت هذا التناقض حين أكد وزير حزب الله  حسين الحاج حسن في احتفال في بعلبك، قائلا أن:(«الحل في سورية سياسي، وبالتأكيد مع قطع الأيدي الخارجية التي عبثت بالأمن ومع منع التدخلات الأجنبية التي عبثت بحياة السوريين»، معلناً أن سورية «ستبقى الأمل الذي يتطلع إليه المقاومون من غزة إلى القدس وبيروت وبغداد»، وقال لمناصري حزب الله: نسأل الله أن يشارككم فرحة الأمن والهدوء في سورية وفرحة خروجها من هذه المحنة»).

سياسة الترهيب والتهويل هي الأسلوب الوحيد والمخرج المناسب الذي يستعمله حزب الله للتنصل من التزاماته تجاه الشعب اللبناني الذي يراقب بكل جدية أداءه السياسي وتنفيذه ما وعد بتحقيقه إذا ما استلم السلطة التنفيذية، لذا وبعد أن فشل في تحقيق أي من الشعارات الإصلاحية التي رفعها وحليفه ميشال عون طوال المرحلة الماضية، لجأ إلى هذه السياسية التحريضية ليطلق رئيس كتلته النيابية محمد رعد كلاماً قال فيه: («نحن الذين نحمي بنية الدولة في هذه المرحلة، ونحفظ هذه الدولة وندعم مؤسساتها الأمنية وغير الأمنية، ونتصرف بكثير من الدقة والحكمة والهدوء وصلابة الأعصاب، حتى لا نستفز ولا نستدرج إلى سجال ولا ننزلق إلى ما يريد الآخرون حرصاً منا على الاستقرار..وقال أيضاً: «هناك من يريد أن تستعر الفتنة في هذا البلد، وهناك من يستدرج اللبنانيين إليها، وهناك من يحاول تعطيل كل مشروع يوفر ضمانة ولو مؤقتة للاستقرار في هذه المرحلة. نحن نعرف إلى متى نصبر ومتى يحين أوان أن ننتقل إلى مرحلة الفعل الذي يحفظ بلدنا من كل سوء ومن كل تدخل أجنبي يراد استدراجه إلى ساحتنا». وأضاف «نتصرف بهذه الوتيرة من الحرص وقد يستفيد غيرنا من حرصنا فيحاول أن يصعد في الكلام أو أن يتطاول على الرموز أو أن يبتزنا في كثير من المواقف). بناءً على هذا الكلام العالي النبرة الذي يتضمن تهديداً صريحاً وواضحاً بحق كل من يخالف رأي وتوجه وسياسة حزب الله، نرى أن نتوجه ببعض الأسئلة لحزب الله وأيضاً لأجهزة الدولة اللبنانية:

-        إن مشكلة حزب الله وبناءً على ما ورد هي مع فريق من اللبنانيين أو مع الشركاء في الوطن، لذا لم يتطرق محمد رعد في كلمته لرؤية حزب الله لحل المشكلة السياسية الداخلية ولا لطريقة معالجة الأزمة الاقتصادية..

-        هل الدولة اللبنانية وأجهزتها الرسمية هي من يحمي الوطن والمواطن ومصالح المواطنين، أم أن ميليشيا حزب الله هي من يحمي الدولة وأجهزتها وكذلك المواطنين..؟؟

-        هل الأمن المستباح في حي الشراونة في مدينة بعلبك والاشتباكات بين أطراف معروفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي تتكرر فترة بعد فترة، دون أن نسمع عن حملة مداهمة واعتقالات وضبط أسلحة، هي مؤشر إيجابي على دعم حزب الله للأجهزة الأمنية في ضبط الأمن ومنع الوطن من الانزلاق إلى الفتنة.؟؟؟

-        هل حماية بنيان الدولة ومؤسساتها كما يقول النائب رعد هي في تهميش هذه المؤسسات وتعطيل دورها ونزع هيبتها والإساءة إلى أفرادها في مناطق ومربعات معينة.. ؟؟

-        من الذي يتطاول على الرموز بحسب كلام رعد، ومن الذي لا يحترم قيادات القوى المنافسة، ومن الذي يروج للإشاعات والاتهامات ويطلق الصفات والنعوت، بحق رموز حالية وتاريخية، دون استحياء..؟؟

-        هل نحن نعيش في دولة تعددية تحترم حرية الرأي والتعبير والتفكير، أم نعيش في ظل دولة شمولية ذات حزب واحد وفكر ومنهج واحد، مما يسمح بأن يعطي فريق لبناني لنفسه الحق في تصنيف المواطنين والسياسيين بين مؤيدين ووطنيين وخائنين معادين..؟؟

-        هل تأييد حزب الله للفوضى التي تزرعها إيران في مملكة البحرين، وتصريح رئيس مجلس النواب اللبناني (نبيه بري) الذي هاجم فيه مملكة البحرين، هو تنفيذ لسياسة النأي بالنفس عن الأزمات العربية..؟؟ وهل يخدم كلام بري المغتربين اللبنانيين في الخارج ويضمن لهم لقمة عيشهم واحترام الدول المضيفة لهم..؟؟

-        هل تجاهل حزب الله لمعاناة الشعب السوري بل تأييده للإجرام الذي يمارسه نظام الأسد بحق هذا الشعب، والممارسات التي تقوم بها بعض الأجهزة وميليشيا حزب الله بحق النازحين السوريين يضمن تطوير مستقبل العلاقات مع الشعب السوري وعلاقات الأخوة بين الشعبين بعد سقوط النظام..؟؟

-        وهل موقف حزب الله المعادي للمعارضة السورية نابع من فهمه للفكر القومي العربي، أم من الرغبة في تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة لخدمة المشروع الأميركي واستقرار إسرائيل الذي طالما حذرنا منه؟؟

-        هل التسريبات المتكررة من وسائل إعلام حزب الله وتلك المؤيدة له عن وساطة وعقد لقاءات خفية بين حزب الله والقوى الإسلامية في لبنان والعالم العربي تتوافق مع هذه التصريحات التي أطلقها محمد رعد وسواه من نواب حزب الله؟؟ أم أن لا لقاءات ولا وساطة بل بالونات إعلامية تطلق لشراء الوقت وذر الرماد في العيون..؟؟

-        وصولاً إلى مقولة:( نحن نعرف إلى متى نصبر ومتى يحين أوان أن ننتقل إلى مرحلة الفعل الذي يحفظ بلدنا من كل سوء).. هل هذا تهديد بسلوك طريق 7 أيار/مايو جديد، وضد من وبحق من..؟؟ وهل هذه هي ممارسة الانفتاح السياسي والحوار الشفاف والجلوس إلى طاولة تجمع الجميع لمناقشة كافة العقبات والمشاكل وإيجاد الحلول المناسبة..؟؟ أم هي سلاح الفريق الذي أفلس سياسياً فلا يجد ما يناقشه مع الآخرين؟؟ وأي سوءٍ يهدد لبنان ويريد حزب الله حماية لبنان منه أكثر من انتشار المخدرات والسرقات والاستيلاء على الأراضي والبناء غير الشرعي وتجاوز القوانين وانتشار السلاح والمجموعات المسلحة والاشتباكات المسلحة بين أحياء ومجموعات وعائلات، والإساءة لعلاقات لبنان مع محيطه العربي، والمجتمع الدولي..؟

إن حزب الله قد أصبح مكشوفاً في الداخل اللبناني فسلاحه لم يعد سلاح مقاومة هدفه حماية الوطن، ومشروعه ليس مشروع بناء الدولة ولا استقرار الوطن وبناء مؤسساته، كما أن العالم العربي والإسلامي، قد اكتشف أيضاً أن علاقة حزب الله بهذا العالم ليست مرتبطة بالقضية الفلسطينية ومعايير الحرية والمبادئ الإسلامية بل هي قائمة على حسابات مذهبية وطائفية ومقاييسه مرتبطة بالرغبة الإيرانية وتوجيهات راعيه في طهران، لذلك فهو يدعم في كل كيان عربي ودولي من يخدم سياسة الإمبراطورية الإيرانية الجديدة القادمة إلى المنطقة على صهوة مشروعها النووي الذي يضمن لها التفوق على دول المنطقة وتجنب أي ضربة عسكرية غربية.. والكلام الذي أطلقه محمد رعد قائلاً:( نتصرف بصلابة أعصاب حتى لا نُستفز) يناقض تماماً منطق محمد رعد نفسه ووسائل إعلامه وسائر قياداته التي تتحدث بتوتر وقلق وانفعال.. وليمارس حزب الله التهديد الذي يريد فسيبقى لبنان بلد الحرية والإعلام الحر والديمقراطية والتعددية وجزءاً من محيطه العربي مهما حاول حزب الله وإيران عزله وتهميشه..ويبقى السؤال الأهم... على من وعلى ماذا يصبر حزب الله وهو يملك السلاح والدولة..؟؟