الفساتين السوداء ومستقبل الكنيسة !(2)

الفساتين السوداء ومستقبل الكنيسة !(2)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لا شك أن الإعلام المصري بشقيه الرسمي والخاص ( غسيل الأموال بالذات !) ؛ بات يمثل حالة خطيرة من الفساد التي تهدد الدولة في الحاضر والمستقبل ، كما دمرها في الماضي ؛ ما يفرض موقفا حازما من السلطة التي تقود البلاد ، لتطهيره ، وإعادة تشكيل كوادره عبر القانون حرصا على سلامة البلاد والعباد . فمعظم العناصر التي تعمل في هذا الإعلام كانت تصنيعا أمنيا من إنتاج أمن الدولة الملعون ، وصفوت الشريف ، والمال الطائفي ، وهو ما يجعل هذا الإعلام في وضع العداء الدائم للإسلام من خلال ضيوفه المستديمين ومواده الترفيهية والتربوية ، وصياغة الأخبار ، ومناقشة القيم والأفكار.

ولم يكن الموقف من وفاة شنودة تلقائيا أو عفويا ، ولكنه كان مناسبة ذهبية للإعلام الفاجر ، ومن يحركونه ؛ كي يتم تجاوز المشاعر العامة تجاه شخصية راحلة إلى الإساءة المتعمدة لٌلإسلام ومشاعر المسلمين ، وتزوير الحقائق وتلوين الأخبار والتحليلات بما يهين الهوية الحضارية للأمة ويضعها في الدرك الأسفل !

نسي الإعلام الذي قاده لابسو ولابسات السواد ، أن التسامح الإسلامي منح الطائفة أكثر مما تستحق ، وأن عدد الكنائس التي أقيمت في عهد شنودة أضعاف عددها التي أقيمت منذ فتح مصر حتى عهد السادات ، فقد كان عددها حتى ولاية السادات 500 كنيسة ، وأصبح عددها عند وفاة شنودة 3600 كنيسة ، أي أكثر من ستة أضعاف . وأن الكنيسة تحولت تحت قيادة شنودة إلى دولة لها وزراء وسفارات ، وتناطح الحكومة المصرية رأسا برأس ، كما صار لها رصيد مالي يتجاوز عشرين مليارا ، لم تصنعه العشور ولا التبرعات ولكن مصادره الحقيقية غير معروفة ، وأضحت لها قوة إعلامية ضاربة من الفضائيات والصحف اليومية والأسبوعية والكتاب والمذيعين ومقدمي البرامج الموالين لها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .

كان يفترض أن يتوقف الإعلام الفاجر عند مسألة خطيرة صنعها شنودة وهي التمرد الطائفي الذي يهدف إلى تقسيم الدولة وتغيير هويتها وحرمان شعبها من التعبير عن إسلامه وتطبيقه ، وليس الإلحاح على أنه بطل الوحدة الوطنية ، وزعيم المواجهة ضد العدو الصهيوني ، وتصوير غضب السادات عليه لأنه لم يركب معه الطائرة إلى القدس المحتلة في مبادرة الاستسلام المشهورة عام 1977م ..  

التمرد الطائفي لعبة شنودة مذ كان عضوا فاعلا في حركة الأمة القبطية الإرهابية ، ومحررا لصحف مدارس الأحد المتطرفة ، ثم انتقل إلى مجال التمرد على أرض الواقع عند ولايته للكرسي البابوي عام 1971، حيث دشن نظرية الاستشهاد في أحداث الخانكة ، وطوال أربعين عاما شهدت مصر لأول مرة تحول الطائفة إلى عنصر صدامي مع الأغلبية يستخدم السلاح ويقطع الطرقات ويرغم الأغلبية على النزول عند إرادة الأقلية ، ويصل الأمر إلى حد الإعلان أن المسلمين ضيوف على النصارى في مصر ، وأن القرآن محرف !

لقد فرط شنودة في استقلال الكنيسة الوطنية حين قبل المشاركة في عضوية مجلس الكنائس العالمي ، وهو مجلس استعماري يقوده الكاثوليك لتنصير آسيا وإفريقية ، وقد رضي بالتبعية لهذا المجلس كي يساعده في تنفيذ مخططه الانفصالي ،ويمنحه حماية دولية كما يتوهم !

ثم كانت قسوته على الطائفة حين رفض لائحة 1938 ، وأزرى بالقانون ، ورفض تنفيذ حكم القضاء بالتصريح للمطلقين بالزواج الثاني ، وحطم الاستقرار الطبيعي لثلاثمائة ألف أسرة أرثوذكسية ،وزعم أنه ينفذ تعاليم الإنجيل !

كان واجبا على الإعلام الفاجر - كما يفترض – أن يناقش بصدق وعمق ومهنية مستقبل الكنيسة بعد الأنبا المتمرد الذي هدد وحدة البلاد ، وأعلن أنه " حيخللى الدم للركب " إذا طبقت الشريعة الإسلامية ، وهو ما أدانه القضاء المصري في عبارات محددة واضحة أشرت إليها وغيري في كتابات سابقة !

إن لبس السواد وتعبئة الجماهير في سيلان عاطفي غير مسبوق لن يصنع وحدة وطنية حقيقية ، في الوقت الذي يقود المتمردون الطائفيون الكنيسة بمنطق الدولة الموازية التي تناطح الدولة المصرية وتتحداها وتستلهم قوتها من الخارج !

ألم يكن غريبا أن يصمت الإعلام المصري عما يسمي الدولة القبطية في واشنطن ، ولا يطلب من الكنيسة أن تصرح برفض هذا الكيان الخائن - ولو كان افتراضيا – وتدين الخونة القائمين عليه ؟

للأسف الشديد ؛ فإن الإعلام الفاجر ،مشغول بأنف النائب السلفي ، وإهانة الإسلام من خلال بعض المنتسبين إليه في تحامل واضح وادعاء بيّن ، في الوقت الذي يكيل فيه صفات البطولة والإنسانية لمن أراد تقسيم البلاد والعباد ،وأطلق أذرعه في كل اتجاه تتكلم عن الاستعمار العربي القادم من جزيرة المعيز ، والبدو الأجلاف الغزاة ، واللغة العربية التي لا تشرفهم لأنها لغة المستعمرين ، فضلا عن الأكاذيب التي عمت المعمورة عن الاضطهاد الإسلامي للطائفة ، وعدم المساواة ، والتمييز في الحقوق والقضاء ..

لقد أفسد شنودة العلاقة بين الطائفة والأغلبية لأسباب تعصبية خبيثة ، لدرجة أن صارت الكنيسة هي الأم والأب للطائفة وهي الحكومة وهي الشرطة وهي وزارة الدفاع والخارجية والتعليم ، وأضحى جيل عمره أربعون عاما أو يزيد يؤمن أن المسلمين في مصر لا يحق لهم أن يعيشوا على أرضها لأنهم غزاة أو بلغة بيشوي ضيوف !

لو أن الفساتين السوداء والحلل السوداء ، يعنيها أمر هذا الوطن حقا ، لعالجت وفاة رئيس الكنيسة في الإطار الطبيعي ، دون سيلان عاطفي ، ودون مزايدات فجة ، ولطرحت القضايا التي خلفها الراحل من ورائه على بساط البحث من أجل حلها حلا حقيقيا ، سواء كانت على مستوى الطائفة وما يتعلق بالزواج والطلاق ، والغفران والحرمان ، أو ما يتعلق بالوطن وإعادة وظيفة البطريرك إلى المجال الروحي دون المجال الزمني ، وإشراك الطائفة في الحياة العامة .. وإنهاء عصر التمرد الطائفي أو وقفه على الأقل ؛ خاصة بعد أن شجعها على الاستشهاد واستخدام السلاح !

بكل تأكيد ، فالقوم لا يعنيهم الوطن ولا الطائفة ولا الكنيسة ، ولكن الذي يعنيهم هو قهر الإسلام والمسلمين !