الثورة على فرعون وشروط نجاحها

الثورة على فرعون وشروط نجاحها

ناديا مظفر سلطان

هل يمكن أن تخرج الثورة السورية تزهو على الملأ بحلة قشيبة ، اسمها "حرية" ،  ذات ختم "صنع في سوريا "، كما تمنيت في مقالي السابق،  أم أنه مجرد حلم بعيد ؟

المثل يقول عدو عدوك صديقك ، ولكن الثورة السورية مستثناة من هذا القول، إذ أن أعداء أعدائها في الخارج هم أعداؤها أيضا ، إضافة إلى عدوها في أرضها !!  فهل ستنجو من هذا الشر المحدق بها من كل مكان ؟هل ستجتاز المحنة ، وتبرأ من الفتنة ؟

أعتقد أن كل الأخطار المحدقة بالثورة - رغم عظمها وخطورة شأنها - هي أقل شأنا من الخطر الأكبر...

ألا وهو تفرق شمل أهلها ،والنزاع  بين أفرادها، وذهاب ريحهم، وفشل جهدهم...هذا هو الخطر الأكبر.

 فأعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن تفرق جمعنا ، ومن خيانة شهدائنا ، والتفريط بدمائهم .

يقول الله سبحانه :"إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيان مرصوص "

هذه الآية من سورة الصف ، فهل سيصطف أهل الثورة كالبنيان المرصوص في مجابهة أعدائهم ؟

هل سيكون أهل الثورة ممن يحبهم الله فيكون، يدهم التي يبطشون بها ..فيعطيهم مسألتهم ، ويعيذهم من شر عدوهم  ؟

هل سيعمل حاملو السلاح  ، إلى جانب القاعدين على موائد الحوار ، فلا يخذل أحدهم أحدا ؟؟؟

 إذا كانوا هكذا حقا ، فإن الثورة السورية منتصرة ، وإن الحلم حقيقة.

وقصة الثورة على فرعون في كتاب الله العزيز، ابتدأت ب "الأمر الإلهي" من الحق سبحانه ، لنبي الله موسى وأخيه هارون ب" القول اللين"

  "اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " ، وما كان "ألين "، من شعارات الثورة السورية في بداياتها ، عندما رفع الناس أغصان الزيتون ، وهتفوا " سلمية "، و"الشعب يريد الإصلاح". وربما كان شيء من إصلاح " حقيقي" ، سيمتص الثورة...

ولكن هي البنية النفسية ل فرعون المتقمص للذات الإلهية ،الذي سيرفض حتما الرضوخ لمطالب الرعية باعتبار أنه إله فهو" لا يسأل عما يفعل  وهم يسألون"!!!.

فالثورة ، رغم سلميتها ، كانت مفاجأة مذهلة له ، فهو بعد أربعين عاما من السبات الناعم الآمن اللذيذ ، فتح عينيه بدهشة أمام هذه "الجراثيم" التافهة ، وتساءل :" أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين"  ثم استدرك ليعلن  قائلا : "ما علمت لكم من إله غيري"؟!.

و الآية البينة التي أتى بها موسى فرعون كبرهان أنه رسول من رب لعالمين ، ما كانت  إلا بداية لمعركة حاسمة بين " السحر والحق" قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون " .

  والسحر لغة ، هو صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره  ، وهكذا انبرى فرعون مناديا وحاشدا جنده 

" وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم"

فلبى نداءه أعوانه ممن يتقنون "لعبة السحر والشعوذة" ، فاعتلى حسون والبوطي المنابر، وصدحت الحناجر من أبواق النظام الأسدي أمثال طالب إبراهيم  وشحادة وسواهم 

والمعركة ليست بالسهلة إذ أن فرعون عال في الأرض كما أنه مسرف في الطغيان ، وهكذا  لابد أن تسود الفتنة ، ولابد أن يهيمن الخوف على الأرض.

"فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين" .

وفي هذه الأجواء المروعة  من القتل والقنص والاعتقال و التعذيب والتجويع والاغتصاب ، ومن كافة شرور الفتنة في الداخل ، وتربص الأعداء في الخارج

وقف موسى أمام قومه وخاطبهم ، فقال : إذا كنتم تريدون النصر على فرعون ، فإليكم الشروط:

الشرط الأول: هو" التوكل"، "وقال موسى يا قوم :إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين"

الشرط الثاني :هو "وحدة الصف"، وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين" ،لأن وحدة التوجه تساعد على وحدة القلوب 

الشرط الثالث : الدعاء الخالص من الأخوين موسى وهارون .

وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم

"قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "

و الدعاء ما كان  ليستجاب من الله سبحانه ، دون التوكل  ،ووحدة الصف ، وكامل  التعاون ، بين الأخوين موسى وهارون ، الأول ممثلا قوة البدن ، والثاني قوة البيان.

والثورة على فرعون منذ بدايتها اعتمدت على ركنين أساسيين:

 قبضة موسى الفولاذية ، التي أردت العدو صريعا بالضربة القاضية "فوكزه موسى فقضى عليه

، ولسان هارون الفصيح " وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني" ....وما كانت الثورة  ستنجح أبدا بجهد أحد الأخوين دون الآخر.

واليوم الثورة السورية ، تعتمد على ركنين لا ينفصلان أبدا ، "قبضة" الجيش الحر" المحارب"، و"لسان" المجلس الوطني "المحاور"، فإن لم" يتآخى الطرفان"، ويعملان معا  فإن الثورة لن تنجح  بجهد واحد دون الآخر.

والقرآن الكريم  يوجهنا إلى آلية القوة ، وكذلك إلى فنية الحوار ، ويقدم لنا دروسا في كليهما

فالقوة يجب أن تأخذ أبعادها كاملة

 وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم

  يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة

و الحوار استيعاب لكل الأطراف دون أي إيديولوجية تجاه عدو أو صديق

والله عز وجل بأمره المبرم بين الكاف والنون وتفرده في الحكم والقضاء

 قد تحاور مع البشر" وكلم الله موسى تكليما"

 وتحاور مع الملائكة "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة "

وتحاور مع الشيطان "قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين"

والنبي إبراهيم عليه السلام ، كانت له مواقف حوارية من شأنها أن تتخذ مثلا أعلى في فن الحوار فقد تحاور مع الملك النمرود فأذهله من قوة الحجة وسعة العلم وضبط النفس ورباطة الجأش وتغيير دفة الحوار حيث لامجال للنزاع

قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر"

فمن كان لا يملك المقدرة على حوار كل الأطراف مهما تباينت ، ومن كان لا يتقن سحر البيان ، وحجة العلم وقوة البرهان من المجلس الوطني  فليترك مقعده لمن هو أكثر كفاءة إذ ليس بمفازة من العذاب أن يحمد بما لم يفعل .

واليوم الواثقون بنجاح الثورة ، المؤمنون بمحلية صناعتها ، ينتظرون ، جيشا حرا له " قبضة موسى" ، وهيئة  سياسية انتقالية  لها فصاحة هارون ، وحجة  إبراهيم ، يشد بعضها أزر بعض كالبنيان المرصوص.

ولكن على ما يبدو من قصة موسى مع فرعون ، أنه لابد من النزاع !!!

  إنه شر لابد منه ، فالفتنة محدقة ، والهيمنة الفرعونية قديمة ومتأصلة في النفوس ، والتحرر من الذل الذي سكبه فرعون خلال أربعين سنة في نفوس الرعية ، مسألة شاقة لا يمكن أن تنقضي دون نزاعات وصراعات.

وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ، قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين"

شيء من النزاع لابد منه ، إنها اليقظة بعد السبات ، ويبقى الحل دوما  بمحاسبة الذات 

فلا تجزعوا أيها الثوار ، إن دب بعض الخلاف ولا يدخلن اليأس قلوبكم ، فالنصر بإذن الله لامحالة ، آت .