ثقافة إدارة الوقت

م. أسامة الطنطاوي

[email protected]

حظي الوقت بنصيب وافر من العناية فيما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال و الأفعال غير انه من الواضح للعيان أن مجتمعنا الحاضر يمارس اضطهادا حقيقيا للوقت من حيث عدم تقديره وعدم اعتباره عنصرا أساسيا في ترتيب أولويات الحياة، بل وعنصرا فعال في تحقيق النجاح المنشود في واقعنا و مستقبلنا.

وإن وقت المسلم أمانة عنده، وهو مسؤول عنه يوم القيامة، هذا ما تؤكده السنة المطهرة، فهناك أربعة أسئلة سيُسألها العبد أمام الله عز وجل يوم القيامة، منها سؤالان خاصان بالوقت، ففي الحديث

  قال عليه الصلاة والسلام: (( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه )).

 أي أن العبد في ذلك الموقف العصيب، يوم القيامة، لن تزول قدماه، ولن يبرح ذلك المكان، حتى يسأل ويحاسب عن مدة عمره بعامّة كيف قضاها، وعن فترة شبابه بخاصة كيف أمضاها، ذلك أن الشباب هو محور القوة والحيوية والنشاط، وعليه الاعتماد في العمل أكثر من غيره من مراحل العمر الأخرى، لذا فقد خُص بالسؤال عنه مستقلاً مع أنه داخل ضمن السؤال عن العمر وذلك لأهميته.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس حرصا على وقته ، وكان لايمضي له وقت في غير عمل لله تعالى، أو فيما لابد منه لصلاح نفسه، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف حال النبي صلى الله عيه وسلم بأنه: (( كان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه الى ثلاثة أجزاء ، جزءا لله ، وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزء جزأه بينه وبين الناس )).

وعلى غير ذلك فإن مظاهر غياب الاهتمام بالوقت تتضح لنا في نواح كثيرة من حياتنا، ومكمن الخلل في تعاملنا مع الوقت يبرز في معاداتنا له وعدم تقبل تنظيمه لأي سبب ورغم أن حياتنا العملية مليئة بالمشاهد والمواقف التي نكررها بشكل يومي أو أسبوعي إلا أننا نجهل تماما مدة الأوقات التي تستغرقها لإنجاز تلك الأعمال اليومية، وبالتالي عدم القدرة على ترتيبها لزيادة الكفاءة والجودة في الأداء و الأنتاج .

 ولعله من المفارقات التي أشار إليها علماء الإدارة هو أن العنصر الذي يفرق ما بين الناجحين والفاشلين في الحياة هو إدارة الوقت.

 

 

والمتأمل في منهج وسلوك أفراد مجتمعنا يلحظ بان هناك العديد من السلبيات والعوائق في ممارساتنا اليومية التي تقف أمام غرس ثقافة الوقت والاهتمام به وتقدير قيمته النفيسة ، ومن أولها المناسبات الاجتماعية المتوارثة و المنظمة بطريقة عشوائية .

كما أن عدم وجود أعراف اجتماعية واضحة ترتب الزيارات العائلية بين الأسر، عنصر آخر لا يقل أهمية عن سابقه.

ولا شك أن تسويف الأعمال والمهمات في الحياة يعتبر سبباً بارزاً لإهدار الوقت لدينا. 

من أهم ما يساهم في الحفاظ على الوقت وإدارته تدوين المهمات والأعمال بشكل يومي والبعد عن المجاملات في حضور بعض المناسبات غير المهمة أيضا يجب الاهتمام بأوقات التسوق والزيارات حيث أننا مجتمع يدمن هذين العنصرين وممارستهما بشكل عشوائي من شانه التأثير المباشر على إنتاجيتنا اليومية سواء في مجال العمل أو الأسرة ،

كما أن استغلال الأوقات الهامشية وهي التي يقضيها الفرد في الانتظار، كأن ينتظر انتهاء معاملة في

دائرة حكومية او غيرها مما يتطلب قضاء جزء من الوقت في الانتظار ،

حيث ان ذلك يعطيه مساحة جيدة لاختصار بعض المهام كقراءة احد تقارير العمل أو كتابة فكرة تطويرية طرأت في مخيلتك، أو إجراء بعض الاتصالات والأعمال البسيطة التي من المفترض أن يقوم بها لاحقا، أو أن يستغل الوقت اثناء قيادة او ركوب السيارة او الطائرة  في الاستماع لبعض المحاضرات العلمية او الثقافية او الدينية.

ولعل العمل الإداري من تخطيط وتنظيم وتحقيق للأهداف لا يستطيع المضي دون إدارة ناجحة للوقت .

 وإن بعض الخبراء ذكر أن المديرين الذين يحملون حقائبهم المتخمة بالمعاملات الإدارية إلى منازلهم هم مديرون فاشلون في إدارة وقتهم، ويعود ذلك إلى أن وقت العمل "فيما لو تم تنظيمه"، سيكون هناك فائض منه وإذا لم يكن هناك فائض فإن الخبراء يعودون ليؤكدوا أن هذا المدير لا يفوض الصلاحيات للموظفين أي أنه يقف على كل صغيرة وكبيرة في العمل بل ويوهم نفسه (أي المدير) أن التفويض ينقص من سلطته وصلاحياته. 

إن من أهم خطوات إدارة الوقت في بيئة العمل هو تصنيف الأعمال طبقا لدرجة الأهمية وعدم إطالة أمد الاجتماعات الدورية أو الطارئة لفترات أطول من المطلوب.

 كما أن ممارسة الرياضة وخاصة "المشي" من شانها إعطاء الجسم طاقة لمواجهة ضغوط الحياة بل إنها سبب رئيسي لتفريغ الضغوط التي نتعرض لها في حياتنا، ويدرك الكثيرون ممن يمارسون هذه الرياضة مساهمتها الكبيرة في إدارة الوقت. 

إن إدارة الوقت تكتسب أهمية كبيرة في حياتنا الاجتماعية والوظيفية وكثيرا من معايير تقدمنا ونجاحنا ترجع أساسا إلى نجاحنا في الاستفادة من هذه الثقافة الهامة و تربية الأجيال على احترامها والعمل بها.