يا أهل الشام شمروا و اجتهدوا.. وانتم الأعلون

يا أهل الشام شمروا و اجتهدوا..

وانتم الأعلون

سليمان أبو الخير

قف قليلا، خفف الوطء،شمر واجتهد وانقل خطوك في حذر، فأديم الأرض مغطى بالدم المسفوح، و امضي رويدا رويدا، متى شئت إن تمضي و تلفت، فلعل على جانبيك من يستغيث من غير صوت أو إشارة، ففرعون دمشق أمعن في الذبح ومن منكم لا يعرف الذبح، فما ابقي لأحد حتى على صوت أو إشارة، و إن اصابك بعض الفضول، فاستدر بكلك و التفت الى الوراء، كي تشرع ما اتسعت ذاكرتك من الأرقام المجردة، في عد الشهداء الأحرار الذين سقطوا على يد النظام المتعطش لكل دم حر أبي عصي على الضيم و الظلم و العدوان في بلاد الشام.... تكاد من هول الفاجعة أن تغرق في الإحباط، يهوي بك الى قعر من القنوط...

فبطن الوادي ادلهمت الظلمة فيه، و صار نقل الخطى هناك ضرب من ضروب المجازفة، فقد زرع مجرمو الأسد الألغام المضادة للأفراد على كل الحدود، كيلا تبقى لأحد من المدنيين الفارين من أتون الذبح أي فرصة من فرص النجاة....

أما الجبل فسفحه زادوا في زاوية انحداره، و وعورة مرتقاه فما عاد احد قادر على تسلقه أو الهبوط منه، فعلى كل شارف منه و أكمة زرعوا محترف إجرام من القناصة استقدموه من خلف الحدود يترصد كل شاردة و واردة كي يعدمها الحياة...

و على البحر زرعوا الزوارق و البوارج الحربية، و دكوا بها الساحل، و لم يسلم حتى المخيم اليتيم، حتى هذا فقد انضاف الى تل الزعتر و عين الحلوة و البداوي و انجر عليه تراب كثير كما انجر عليهما و صار شيئا من الذكريات، و بعضا من الماضي الذي نتمنى لو نقدر على نسيانه فننساه!!!

أما سلاح الجو، فعجبك قد يتجاوز عجب و استغراب موسى عليه السلام من الرجل الصالح في حكاية خرق السفينة، و قتل الغلام، و إقامة الجدار، حين تدرك إدراك المشاهد الموقن أن هذه الطائرات بقيت في مرابضها، حين حلقت طائرات معادية من خلف الحدود فوق عرين الجرذ كي تقصف و تعود الى قواعدها سالمة، أما طائراتنا فقد أفرغت حمولتها أثناء إعداد هذا المقال فوق حمص و حماة و إدلب والساحل...و هي بدورها عادت الى قواعدها سالمة!!! موسى عليه السلام عرف السبب فزال منه العجب، و نحن ما زلنا نعيش في كل يوم رجب و ما زلنا نرى العجب!!

أما المدن...هل بقي في لغتنا الجميلة يوم كانت لها على الدنيا دلال الحسناء طلعت طلوع البدر في الليلة الظلماء...أقول هل بقي في لغتنا ما يفي بالغرض من كلمات الندبة و الحزن المفضي الي التفجع، هل هناك ما يتخطى كلمات الحسرة و التحسر، إن وجدت فهي لكل المدن المنكوبة على امتداد تراب بلاد الشام...

سئمنا سؤال البشر، فتعالوا نسال الشجر ما بقي و ما انهد من الحجر، اسألوا حمص..مروا باحياءها...حاراتها...أزقتها...بابا عمرو...الإنشاءات..البياضة....

حماة...اسألوها..اسألوا نواعيرها التي صمدت ألاف السنين أمام تقلبات الطبيعة و التاريخ، تمكن أبناء الأسد حافظ و رفعت من تركها في غفلة من الزمان قاعا صفصفا...و على رأي من قال من خلف ما مات، سار الأبناء على خطى الآباء في الفضائح و الفظائع و الجرائم، دكت البيوت على رؤوس ساكنيها  في كل المدن...

عوجوا على إدلب و الدير و درعا، عوجوا على الزبداني ...مضايا...دمشق الأمويين بريفها و أحياءها...هل ابقي البغاة على حرمة لشئ...لقد استمرت آلة طحن الأبناء على خطى الآباء..تطحن الحيوان و الحجر و الشجر ناهيك عن طحن البشر!!!

قتلوا و الله و أوغلوا..

اغتصبوا و الله و أفحشوا...

سرقوا و الله و افسدوا...

كفروا و الله و فجروا...

امتهنوا كل شئ. (من الإهانة و إن شئت فمن المهنة)...امتهنوا كل شئ إلا الفضيلة...فما بينهم و بين الفضيلة تجاوز بعد المشرقين!!

كل هذا بالمحسوس الملموس يبعث الى ما ذهبنا إليه و زيادة، و يزيدنا ضيق صدر على ما عندنا من ضيق صدر، أن العالم كله قلب لنا ظهر المجن، و راح يسرف في الكيد لنا..و الشماتة بنا، كما لو انه يثار منا..فكل من حولنا صاروا بين متفرج لا يبالى...و مساند موافي لا لنا بل علينا...و في كل محافل الدنيا..أكثرهم عطفا علينا بادلنا غراما و نبذنا سيوفا مشرعة و أوهاما...كل هذا بلسان العوام من الناس "كوم" و أبناء جلدتنا، سندنا المفترض...و عزوتنا.."كوم"..و كل هذا و ذاك "كوم" و اختلافنا على حقنا و تشتتنا من حوله "كوم ثالث".

إن من بيننا من يحبذ الإمارة و لو على الحجارة...خصومنا قد اجتمعوا على باطلهم، و اختلفنا على حقنا مطمئنين، سادرين..لاهين ...

غير إن المتأمل لما بين أيدينا من كتاب نؤمن به إيماننا بكل جارحة مَنّ الله بها علينا، كي نذعن مستسلمين لقوله تعالى:

"و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير" قول صادق كهذا يتركنا نهبا لسؤال مشروع، يلح علينا في استنهاض الإجابة:

 لماذا يتأخر النصر؟!

نحن  الذين سللنا من تحت جلدنا بعبعنا الذي أطعمناه من حر مالنا حتى أشبعناه، و سقيناه من صافي ماءنا حتى رويناه، و اشترينا له السلاح ليحمينا به، فإذا به يوجه إلى صدورنا كي نكون أول وقوده، تركنا للباغي اللئيم الفرصة، فتمسكن حتى تمكن!!

استنكف آغوات بلادي عن تشييع أبنائهم الى الجيش، فهذه مهنة دونية لا تناسب الأبناء، ليس اقل من الطب أو الهندسة، فنحن على رأي من قال:

لنا الصدر دون العالمين أو القبر!!

فاخترنا الثانية، و كان ميلاد الإجرام مجتمعا في ألـ الأسد، يغار علي قرانا و أريافنا و مدننا ينتزع أبناءنا فلذة أكبادنا من أحضان أمهاتهم، يسوقهم عنوة الى الجبهات، يتقاتل فيها جيشان لا يعرف احدهما الأخر من اجل اثنين يعبد احدهما من دون الله الأخر!!

من كان في شك من كل هذا، فليتصفح تاريخ حُماة الديار، من لبنان الى العراق مرورا بالجولان، و المُشاهَد ألان غني عن التعريف!!!

ساق أبناءنا عبيدا جنودا أغرارا، فعباهم ضدنا، و حين حاق بنا مكرهم، و لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، رحنا نصيح بملء حناجرنا على العملة النادرة في هذا الزمن الأغبر على أهل النخوة و الحمية...و إن كان لي من زعم، فقد ذكروا في مدارج السالكين أنهم ظعنوا مع الريح؟!

من هنا ما عاد لنا من مندوحة أن نجيب: هل حقا انه لم يبق في الميدان إلا الأسد حديدان؟!!

هذا قولنا في حدود عجزنا البشري، غير أن لله يا أبناء الشام، شانا أخر و سننا ما حاد قدره عنها و لا أبطأ، و سؤالنا اللاحق نطرحه على النحو التالي:

كم دب على أديم الأرض هذه من بشر و أمم، من عهد ادم و أمنا حواء عليهما السلام و حتى يوم بشار الإجرام هذا عليه من الله ما يستحق؟!!

يا صاح خفف الوطء ما أظن   أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

فإذا أجبتم و لا أظنكم تعجزون، ستقولون مطمئنين، أمم كثيرة، عندها سنتبع

بالسؤال التالي:

أين هم ألان؟؟!! هل ترى منهم من احد أو تسمع لهم ركزا؟!! وإذا كانوا جميعا قد تساووا تحت الثرى، فلماذا لا يريد هذا الدعي أن يصدق بأنها لو دامت لمن قبله لما وصلت إليه!!

قال تعالى:

"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ

إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ

  الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ

  وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ

  وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ

الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ .....ماذا نسمي فعل بشار؟!

.....و هل بعد القتل من فساد؟!!  فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ

ثم عاقبة كل متكبر ظالم جواظ      

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ

  إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ

فاصبروا و صابروا، فما النصر إلا صبر ساعة، و يقولون متي هو، قل عسى أن يكون قريبا.

  الله وكيلكم يا أهل الشام و حسيبكم و نصيركم، و مؤيدكم و ناصركم فحسبكم وكفى....فشمروا و اجتهدوا..و انتم الأعلون...الله مولاكم و طاغية دمشق و أعوانه و مناصريه لا مولى لهم.....