سوريا على طريق الخروج من نفق السلطة الأحادية

سوريا على طريق الخروج

من نفق السلطة الأحادية

إلى رحاب التعددية الديمقراطية

حسان القطب

منذ نصف قرن تقريباً والشعب السوري يرزح تحت حكم الحزب الواحد ويخضع لسلطة غير منتخبة استلمت السلطة بقوة السلاح وجاءت إلى دمشق على ظهر دبابة.. والتغيير الذي طاول شكل السلطة وأسماء القادة والرؤساء طوال هذه الفترة بقيت خاضعة للتجاذب ضمن الحزب الواحد والتباين بين قوى هذا الحزب المتصارعة، دون النظر إلى مطالب الشعب السوري واحترام رغباته وتطلعاته ورؤيته للسلطة وشكلها ودورها وسلوكها. وما كان يطلب منه طوال هذه الفترة هو التصويت في استفتاء شكلي على اسم مرشح رئاسي واحد ينال 99،99 % من الأصوات وقد تقل قليلاًَ لا أكثر.. ولذلك فلا يزال حلفاء نظام سوريا في لبنان وإيران وروسيا يعتبرون أن النظام الحالي يحظى بالأكثرية الشعبية، لأنهم هم أنفسهم ما اعتادوا التصويت على الرئاسة إلا بهذا هذا الشكل وهذا الأسلوب، والخلافات السياسية بينهم لم تكن يوماً إلا ضمن حزبهم ومؤسساتهم الحزبية في شكل صراعٍ على السلطة وتبادل النفوذ وتقاسم المصالح والمكتسبات، وليست نتيجة خلافات حول رؤى سياسية مختلفة واستراتيجيات اقتصادية تهدف لتطوير الحياة الاجتماعية ومستوى دخل الفرد والأسرة..

لذلك جاء جواب وزير الخارجية الروسي لافروف حين أفاد في معرض رده على المبادرة العربية الأخيرة أنه: (متأسف لوقف عمل بعثة المراقبين العرب في سوريا، وأن موسكو تدرس قرار الجامعة العربية بإرسال قوة عربية دولية إلى سوريا، قائلا: "إرسال قوة سلام إلى سوريا يتطلب حلا لوقف العنف أولا". وأوضح أيضا أن المعارضة السورية كيانات وليست كيانا واحدا). فهو حتماً لم يلحظ عنف السلطة ولم يعتد على وجود معارضة متنوعة، لذا اعتبر وجود قوى متعددة داخل المعارضة دليلاً على ضعف وعدم قدرة المعارضة على قيادة سوريا نحو بر الأمان..والعكس هو الصحيح لأن معارضة ذات لونٍ واحد ستقود سوريا بالتأكيد نحو ديكتاتورية جديدة يتغير اسمها ودورها بتغير توجهاتها وارتباطاتها.. ويبقى حينها الشعب السوري ضحية الفريق الحاكم مهما كانت تسميته أو تركيبته الحزبية أو الطائفية والمذهبية..وهذه المسألة هي خارج ثقافة لافروف وسواه.

القرار الذي اتخذته الجامعة العربية بالأمس بطلب إرسال قوة سلام عربية ودولية لحماية الشعب السوري من نظام الحكم المتسلط في دمشق، هو خطوة أولى جدية يجب أن تتبعها خطوات، وأهمية هذا القرار أنه في توقيته يتزامن مع ذكرى انتفاضة الشعب اللبناني على الوصاية السورية عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعقب فشل المشروع الإيراني رغم مساعدة نظام سوريا في احتواء الشعب اللبناني ترهيباً وترغيباً عبر أدواته في لبنان، وما قاله نائب حزب الله نواف الموسوي مؤكداّ: (أننا ندرك أن ثمة خلافات في الرأي والموقف في لبنان، إلا أن هذا الاختلاف يجب أن يدار في إطار «توسيع المشترك وتقليص المختلف عليه» والقبول بالآخر، وأننا كنا على الدوام من دعاة الحوار الوطني في لبنان ولا زلنا نعتقد أن لبنان المتعدد لا يمكن أن يحكم بأحادية سياسية.»)..هذا الكلام يشكل بداية انهيار مشروع الهيمنة على الكيان اللبناني التي بدأها حزب الله عقب اغتيال الحريري حين وقف نصرالله في 8 آذار/مارس عام 2005، ليقول شكرا سوريا، ومؤكداً أن خروج نظام الوصاية السورية لا يمكن أن يشكل بداية لعهد جديد في لبنان لأن الأدوات السورية لا زالت موجودة في لبنان وتحظى برعاية ودعم إيراني- سوري.. والصورة التي نشرت حين زار نجاد سوريا وضمته إلى جانب نصر الله وبشار الأسد، كانت بمثابة الكتاب المفتوح لكل من يعنيه الأمر أن المحور الشمولي يمتد من طهران إلى بغداد وصولاً إلى حارة حريك عبر دمشق..وغزوة 7 أيار/مايو من عام 2008، التي شنها حزب الله بمساندة سورية كاملة وبدعم إيراني واضح وعلني كانت تهدف لإسقاط التعددية الحزبية والتنوع الطائفي في لبنان ولتثبيت سلطة الفريق الواحد والحزب الواحد وتشكيل جبهة عريضة وهمية تعطي الانطباع بالتعدد لكن دون فعالية، على طريقة الجبهة الوطنية التقدمية في دمشق التي يتلطى خلفها النظام الحاكم ليخفي سلطته المذهبية وديكتاتوريته الفاسدة، تماماً كما مارس هذا الدور حزب الله في لبنان، وذلك حين قام حينها بدعمٍ واضح وجلي وصريح من أجهزة أمنية رسمية لبنانية وميليشيا رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الأسف، الذي ما برح إلى اليوم يحدثنا عن تداول السلطة ونبذ المذهبية والطائفية السياسية، بطلب إغلاق مكاتب تيار المستقبل في لبنان بعد السيطرة على بعضها بقوة سلاح الميليشيات، ومكاتب الحزب التقدمي الاشتراكي التابع للزعيم الدرزي وليد جنبلاط.. وغيرها من الأحزاب والقوى الرافضة لسلطة الميليشيات.. لتثبيت سلطة الحزب الواحد والفريق الواحد وإلغاء التعددية الحزبية والتنوع السياسي في المجتمع اللبناني.

 ولكن بعد فشل هذا المشروع نتيجة صمود الشعب اللبناني وتصويته في الانتخابات النيابية الماضية ضد مشروع الهيمنة والتسلط واستخدام سلاح المذهبية والطائفية منصة للتسلط والاستيلاء على السلطة، وبعد انكشاف وتراجع مشروع الهيمنة الذي يمارسه حزب الله وفريقه، وبعد أن تأكد هذا الفريق أن النظام السوري يترنح وأصبح أقرب للسقوط والانهيار، جاء اعتراف نواف الموسوي غير المفاجئ وهو من صقور حزب الله بأهمية التعددية واحترام التنوع.. وله ولسواه نقول ما ينطبق على لبنان ينطبق على سوريا، فالتعددية إذا كان احترامها واجب في لبنان فلماذا لم تحترم منذ البداية..؟؟ وإذا كانت التعددية والتنوع ضرورة لاستقرار لبنان..؟؟ فلماذا لا تكون كذلك في سوريا..؟؟ أم هو منطق القوة الذي يستخدم لحماية أنظمة ومشروع وعائلات وتجمعات حزبية وطائفية..؟؟ ورغم هذا الاعتراف الصريح من نواف الموسوي، إلا أن بعض قيادات هذا الفريق لا تزال تراهن على بقاء هذا النظام رغم بطشه وشدة إجرامه بحق شعبه.. وهذا ما قاله رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حين اعتبر أن :(«سوريا بدأت مسار الخروج من أزمتها ولعل ما نشهده من توتر وانفعال وغضب لدى البعض في بعض المناطق هو لأن أمانيهم لن تتحقق فيريدون أن ينفِّسوا عن حنقهم بهذا التوتير الذي يفتعلونه في هذه المنطقة أو تلك»).

تناقض وارتباك واضح في تصريحات الفريق الواحد الذي يستخلص من التمنيات والرغبات وقائع ونتائج، والعنف الذي يتحدث عنه لافروف وحزب الله وإيران سببه أن استعمال العنف في قمع المعارضة هو الذي دفع الشعب السوري لحمل السلاح ومواجهة قوى السلطة الحاكمة ليكون ورقة يريد النظام استخدامها لتبرير استمراره في السلطة برعاية روسيا ودعم إيران وتأييد دولة العراق وميليشيات لبنانية محلية.. ولكن المجتمع العربي والدولي يدرك أن صبر الشعب السوري على ظلم حكامه وإجرامهم قد تجاوز كل حدود لذلك بدأت الانتفاضة الشعبية السلمية تتحول إلى مواجهات مسلحة شيئاً فشيئاً بعد أن شعر جنود الجيش السوري أنهم لا يمكن أن يكونوا أدوات قتل لصالح نظام يخدم مشاريع إقليمية ومصالح عائلية وتوجهات فئوية.. فكان بروز ظاهرة الجيش السوري الحر..لحماية الشعب من بطش حكامه وتدخل قوى خارجية تمعن في هذا الشعب قتلاً وإرهاباً.. ولكن الحقيقة التي يجب أن يدركها هذا الفريق هي أن الحرية في سوريا قادمة لا شك نتيجة هذه التضحيات العظيمة والدماء الغزيرة التي تسيل في مواجهة آلة القمع والقتل، وخلاص الشعب السوري مسألة وقت والعالم اجمع إلى جانبه. لذلك فإن احترام التعددية بكل تفاصيلها وتنوعها في سوريا ضروري للخروج من نفق الفتنة التي يسعى النظام الحاكم الحالي لإدخال سوريا في جحيمها..وكذلك لتشكيل وبناء سوريا الحريات والتنوع والديمقراطية والحرية.