متى يسقط نظام الأسد

د. عمرو عبد الكريم

متى يسقط نظام الأسد

د. عمرو عبد الكريم

تجاوزت الأوضاع في سوريا والمذابح الجماعية التي يمارسها النظام الاستبدادي السؤال عن إمكانية الصمود إلى الدخول في توقيتات السقوط، وهل يمكن أن يطول عمر النظام أكثر من ذلك؟

تتوالى الأيام والشهور والشعب السوري قابض على سليمة ثورته علّ ضمير العالم يصحو -ولا أتكلم عن الضمير العربي وها هي جامعته تعطى مهلة للذبح فوق المهلة، وتشكّل اللجان الصورية، ويستخف بها النظام في مزيد من سقوط الضحايا والشهداء- ولا يزيده مرّ الأيام إلا صمودًا.

لسقوط نظام الاستبداد عدة مراحل بعضها يسير بالتوازي وبعضها تحكمه قاعدة التوالي، بعضها على الصعيد الداخلي للدولة ويبقى الآخر تحكمه المعادلات الدولية والإقليمية وموازين القوى الحاكمة وتشكّله التحالفات الإستراتيجية التي ينسجها النظام حول نفسه (بما يضمن حياته) في شبكة العلاقات الإقليمية وفي المؤسسات الدولية خاصة مجلس الأمن.

أول هذه المراحل (وهى المراحل الداخلية) أن الشعب يريد إسقاط الرئيس ثم نظامه ثم يكيّف (أعني الشعب) المعركة مع الرئيس ونظامه باعتبارها “معركة صفرية” لا مجال فيها لأنصاف الحلول ولا للالتقاء في منتصف الطريق ولا يقبل فيها الشعب التنازلات الجزئية، ولا المساومات.

ثم يدخل الطرفان في المرحلة الثانية وهى مرحلة “الرهان على الزمن”، كل يراهن أن الزمن يسير لصالحه (ولكن الزمن دائما يسير لصالح الشعوب إذا استجمعت بقية شرائط النصر (وربما كان لنا مجال آخر لبسطها).

ثم تأتى مرحلة الذروة (المرحلة الثالثة) وهى أن الشعب لا يريد فقط إسقاط الرئيس ولا يبحث له عن خروج آمن إنما يريد أن يحاكمه (بل ويعدمه) ليس وحده بل هو وحاشيته المجرمة التي أذاقت الشعب الويلات وأذلّت العباد والبلاد.

ثم تأتى المرحلة الرابعة وهي مرحلة “عض الأصابع” وهى مرحلة ما بعد الذروة وما قبل النهاية حيث يلقى كل طرف بآخر أوراقه (فإما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا).

ويسند الطرفان ظهريهما إلى الحائط ولا يكون ثمة مجال للتراجع، ولا للاستسلام، فإما النصر وإما الشهادة، كما كان يقول سيد الشهداء عمر المختار: نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت.

وعلى التوازي من هذه المرحلة يظل الساسة يتكلمون بلغة لا يفهمها الثوار ولا أهل الشهداء ويحدث الافتراق عندما لا تعبّر تلك النخبة السياسية عن طموحات الشعب ولا أحلامه (بل تفقد النخبة قدرتها على الحلم وهو منتهى عجزها وفشلها) بل ويصير الناس أكثر وعيًا منها وأكثر إدراكا للتطورات، وعندما تفقد النخبة قدرتها على الحلم والاستشراف تفقد أهم مقومات قيادتها للجماهير.

وعلى التوازي من تلك المراحل تسير المراحل الموازية وهى مرحلة “نزع غطاء الخارج” سواء على المستوى الأقليمى أو الدولي، وهى التي تكلل جهود الثوار بالنجاح فيسقط نظام الاستبداد غير مأسوف عليه: (فما بكت عليهم السماء والأرض).

وقراءة دقيقة للواقع السوري ولمسار ثورته المجيدة نجد أن عقدته في خطوتين:

أولهما: داخلية وهي أن النخبة السياسية لا زالت متفرقة بين مجلس الخارج وتنسيقيات الداخل، وفى الداخل تعمل كل محافظة من محافظات سوريا بنوع من الاستقلال والانفراد الذي يعوق نجاح ثورتها.

والعقبة الثانية: هي الخارج، سواء الإقليمي أو الدولي فلا زالت الجامعة العربية (لا أقول تتباطأ بل تتواطأ بتلك المهل الاستفزازية، المهلة تلو المهلة والنظام يسخر منها بل ويبتزهم ويعتبرهم أدوات لغيرهم من القوى الكبرى، وقد نجح هذا الابتزاز وأوقف تحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن، أو حتى توفير مساحات آمنة للشعب.

وعلى المستوى الإقليمي لا يمكن أن ننسى الدور غير المشرّف لإيران (كدولة وشعب) من ثورة الشعب السوري ودعمها لنظام الاستبداد، وكذلك دور حزب الله اللبناني وزعيمه.

أما الإجرام الأكبر على المستوى الخارجي فهو الدور الروسي ثم الدور الصيني على التوالي، الذي بدا أنهما يعملان ضد نظام الزمن، ويؤخرون سقوط نظام ساقط منذ عشرات السنين لمصالح جيواستراتيجية (الروس) واقتصادية (الصين) على حساب حركة الشعوب ورغبتها في التحرر من نظام أسوأ من نظام الاستعمار، بل هو الاستعمار بعينه، ولن يبكى على النظام السوري عندما يسقط إلا إسرائيل التي حمى لها الجولان مجانًا (بلا قيد ولا شرط). ولما لا وأبوه من أعلن سقوطها قبل أن تسقط، ولا استبعد عندما يحاكم الأسد الصغير (وهو أمر قادم لا محالة) أن يطالب بعض الناس بإخراج الأسد الأب الذي أعلن سقوط الجولان من قبره ودك حماة وقتل فيها أكثر من ثلاثين ألفا ولم يطرف له جفن، من قبره ومحاكمته.

نهايات الطغاة معروفة لأنها تسير حسب قانون كوني وشرعي: إذا أخذة لم يفلته، وإذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر.