سليماني وسيطرة إيران على العراق وجنوب لبنان

ياسر الزعاترة

قبل أسبوعين نفى السفير الإيراني في لبنان ما نسب لقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني حول سيطرة إيران على العراق وجنوب لبنان، معتبرا أن خطأ في الترجمة قد وقع. ويبدو أن النفي قد جاء بطلب من حزب الله الذي أحرجته تصريحات سليماني، لاسيما بعد استغلالها من قبل تيار المستقبل.

والحق أن أي نفي من طرف السفير الإيراني لا يغير الكثير، ليس فقط لأن التصريحات كانت صحيحة بالفعل، بل لجهة الحقيقة التي تشهد بها الأوضاع على الأرض.

صحيح أن حزب الله ليس في وارد إعلان جنوب لبنان دولة مستقلة تتبع ولاية الفقيه في إيران لاعتبارات الوضع العام في المنطقة، ومن ضمنه الوضع الداخلي اللبناني، فضلا عن عدم الحاجة إلى ذلك في ظل هيمنة الحزب على مجمل الساحة اللبنانية عبر حلفائه في تيار 8 آذار.

لكن الواقع يقول إن حضور الحزب في لبنان هو جزء لا يتجزأ من فضاء النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي حصل على مساحة أكبر بكثير بعد خضوع العراق لذات المنظومة في ظل التحالف الإستراتيجي مع نظام الأسد. وها هو المالكي في تصريحات لافتة في الولايات المتحدة لا يجد حرجا في اعتبار نفسه شيعيا أولا، وعراقيا ثانيا وعربيا في المقام الثالث. وحين يقول إنه شيعي في المقام الأول، فإن عنوان الشيعة منذ الثورة الإسلامية في إيران قد أصبح في طهران من دون أدنى شك.

ليس لنا أن نلوم إيران على تمددها في الفضاء العربي، أكان عبر العنوانين المشار إليهما، أم عبر الأقليات الشيعية في المنطقة، ولو وجدت بعض التجاوب في الفضاء الفلسطيني لما ترددت في احتلاله أيضا، لكن حماس لم تتعامل مع إيران بمنطق التبعية، وإنما بمنطق الندية، فهي لم تسمح ابتداءً بأي محاولة لنشر التشيع في الساحة الفلسطينية (للإنصاف، فحتى حركة الجهاد لم تتسامح معه أيضا، وبادرت إلى فصل من تشيَّع من عناصرها، وهم قلة)، بل رفضت منطق الوصاية بكل قوة أيضا، وها هي بموقفها من الثورة السورية تؤكد ذلك رغم ضغوط تنوء بحملها الجبال، ليس فقط من طرف نظام دمشق، وإنما من طرف الإيرانيين أيضا، الأمر الذي دفعها إلى الخروج العملي من سوريا رغم نفيها ذلك خوفا على الجالية الفلسطينية.

من ينبغي أن يُسأل عن هذا الواقع ليس إيران التي تتحرك وفق مصالحها القومية أكثر من المذهبية (تستخدم المذهب في سياق توسيع النفوذ السياسي)، بل الدول العربية، لاسيما الكبيرة، وفي مقدمتها مصر وإيران.

فمن ترك العراق فريسة بيد حلفاء إيران هم العرب حين غابوا عن المشهد وتركوا سياسيي العرب السنة يمارسون العبث بطريقتهم من جهة، في ذات الوقت الذي ربطوا فيه حراكهم في تلك الساحة برضا واشنطن التي لم يكن يعنيها سوى الخروج من المستنقع بأقل قدر من الخسائر، وهي خسائر كانت تتأتى من التمرد في مناطق العرب السنة أكثر من سواها.

كل ذلك لا ينبغي أن يلغي حقيقة أن تجاوز إيران لحدود المنطق في أحلامها ما لبث أن أخذ يرتد عليها موقفا سلبيا في أوساط الجماهير العربية السنية، التي لم تتعامل معها في السابق وفق الروح المذهبية، أكان يوم انتصرت ثورتها، أم بعد ذلك (لا ينفي ذلك وجود تحريض مذهبي في الوسط السني خلال الأعوام الأخيرة).

من خلال السيطرة على العراق وتهميش العرب السنة، ومن خلال بعض مغامرات التبشير المذهبي العبثية، وقبل ذلك من خلال دعمها لسيطرة حزب الله على لبنان وتهميش السنة الذي يشكلون عماد التوازن في لبنان، والأهم من ذلك كله عبر مساندتها لنظام بشار الأسد في حربه على شعبه. من خلال ذلك كله وجدت إيران نفسها معزولة في إطارها المذهبي، فيما لا يبدي السنة عموما أي تعاطف معها، حتى وهي تواجه الغطرسة الأمريكية والغربية، بل إن العقل المذهبي لم يعد يرى أن هناك حربا عليها، بل تحالفا بينها وبين الولايات المتحدة ضد العرب والمسلمين (السنة)!!

في ضوء ذلك كله تحتاج إيران إلى إعادة النظر في عموم سياستها في المنطقة، وتحدد تبعا لذلك ما إذا كانت تريد التعامل مع الفضاء العربي (السني) بمنطق الخصومة والعداء، أم بمنطق الأخوة والجوار الذي يشمل تركيا أيضا، الأمر الذي لا يبدو أنه سيرسو على بر واضح قبل أن ينجلي غبار صراعها مع الغرب والكيان الصهيوني حول الملف النووي، وقبل أن تصل الثورات العربية إلى مداها المأمول من خلال أنظمة تعبر عن شعوبها أكثر من تعبيرها عن مصالح نخب حاكمة تبيع المواقف السياسية للغرب مقابل البقاء.

والنتيجة أن المخاض التاريخي الذي تعيشه المنطقة سيشمل ترتيب العلاقة بين إيران والمحيط العربي والإقليمي (تركيا على وجه الخصوص)، والأمل أن تكون النتيجة في صالح الأمة بعيدا عن الصراعات المذهبية التي تضع الحب في طاحونة الأعداء.