سورية / مهزلة السبع بحرات

عبد الله زنجير * /سوريا

[email protected]

قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ( 59 طه ) .. هكذا استجاب موسى - عليه السلام - لمنازلة الفرعون وآله ، تحدى حق قوتهم بقوة حقه و لتكون قصة كل زمان و مكان . و اليوم يقوم النظام الجمهوراثي السوري باستلهام تلك التعاسة الرمسيسية ، من خلال حشر الحشود المؤيدة له كرها و طوعا ، فيهتفون للمستبد مصاص الدماء ويصفقون للصوص والمزورين ، بينما تعمد الدعاية لتسويق هذه المسرحيات و ترويجها واستقوالها و البناء عليها ، وهو ما فعله القذافي ومن قبله بعث العراق و الأنظمة الشرقية الآفلة ، ومن شب على ( الفرعنة ) شاب عليها 

تعتبر ساحة ( السبع بحرات ) من أوسع وأشهر ميادين دمشق الفيحاء ، و يتكرر هذا المسمى في العديد من المدن السورية ، و قد اختارها النظام لسهولة السيطرة الأمنية والإعلامية عليها . وتكاد تكون مسيراته و مظاهراته ( المؤيدة ) شبه أسبوعية فيها ، مما يتطلب تذكيرا عاجلا بآلية تشكيلها و حبكها ، تجلية للحقيقة و تجنيبا لها من التدليس و التفيهق و الأبلسة ! إن الخطوة الأولى في هذه المليونيات الزائفة تبدأ بأمر عمليات يصدر عن أحد الفروع المخابراتية المتخصصة والمقربة من مؤسسة القصر ، ليصل بالتسلسل إلى مكتب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي ، والذي بدوره يعممه على رئاسة الوزراء و المحافظين و الأجهزة التنفيذية المخولة

و منذ أن نصب الحزب نفسه ( قائدا ) للدولة و المجتمع ، كما في المادة الثامنة من دستور الحركة التصحيحية للأسد الأب ، منح لقياداته و أنصاره قانونية الاستحواذ على مجمل المناشط و التجمعات السياسية و الاقتصادية و المدنية و التغول فيها ، فكان هناك الاتحاد النسائي واتحاد شبيبة الثورة واتحادات الطلبة و العمال و الفلاحين والقضاة و الخريجين ، و هيئات التدريب الجامعي و جيش الشعب و طلائع البعث . كما وضع يده الطويلة على مختلف النقابات المهنية و مؤسسات النفع العام ، و ذلك كله في إطارات تنظيمية محصرنة و خلايا هرمية متوالية ذات مرجعية محددة وهو ما يسمى في القاموس السوري بالدائرة الضيقة التي تنتج القرارات و السياسات من فوق . و تقدر بعض الأوساط عدد المنتمين لحزب البعث و توابعه بحوالي خمسة ملايين عضو عامل و نصير ، يتوزعون على عموم المحافظات و النواحي و المديريات .. و إذا ما أضفنا لهؤلاء ( المسيرين ) غالبية موظفي الدولة في بلد اشتراكي الوسائل و الهياكل و الأساليب ، و كذلك أعضاء الجيش و القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية و المخابراتية و من يطلق عليهم ( الشبيحة ) من قطاع الطرق و أرباب السوابق ، فإن النظام الحالي يستطيع التحكم بإرادة و مصير 50 % تقريبا من الشعب السوري البالغ تعداده 24 مليون نسمة . و يضاف إلى ذلك بعض سواد العراق من جيش المهدي و بعض أنصاره اللبنانيين من حزب الله الشيعي ، حيث يحشر منهم حاجته تحت طائلة المسؤولية الشخصية  المباشرة لكل مشارك مفترض ، كأن يتم مصادرة بطاقته والتوقيع على استلامها في الساحة ، أو مواجهة المجهول و الفصل من الوظيفة و التنكيل الجسدي و النفسي ، فيضطر الناس للخروج رغما عنهم و خوفا من الأسوأ و تطلق الشعارات البراقة و ترفع اللافتات الطنانة ، في رحلة بالغة الخواء و عديمة الإنسانية و الأخلاق

و العجيب أن الشعب السوري يدرك حقيقة هذا السحر و هذا النفاق الممجوج ، دون أن يستحي النظام من فعلته  بل يتخذ منها ذريعة للمزيد من الأوهام و الأباطيل الترويجية ! و مؤخرا رأينا كيف يتبرأ أعضاء البعث في حوران و الرستن من ذلك التورط ، إلا أن عتاة الديكتاتورية لا يتورعون ولا يرتدعون ولو بثوا فيلما مختلقا ضمن مؤتمر وزير الخارجية وليد المعلم ، ولو قاموا بارتكاب تفجيرات دمشق في حي كفر سوسة ليسوقوا أنفسهم كضحايا مستضعفين ، و لو .. ولو .. ولو

و لمواجهة اتساع رقعة الاحتجاجات زادت وتيرة التظاهرات المؤيدة بإخراجها الرديء ، و باتت ملاذا و فرصة للفارغين و المراهقين من الجنسين ، يستغلونها للتعارف و التواصل المشرع الأبواب والنوافذ . تصاحبها حفلات موسيقية صاخبة يستخدم فيها الطبل و الزمر ، و تباركها بعض العمائم المحسوبة على المشيخة المشوشة و التدين المنحرف و الموظف

إنها مهزلة هذه الأيام في عاصمة بني مروان ، و إرهاصات ما قبل الفجر القادم

                

    * عضو رابطة أدباء الشام