الشخصية الأنثوية في الرواية الإسلامية المعاصرة

المرأة أكثر إشرافاً على التربية

وعلى توجيه المستقبل

محمد الحسناوي رحمه الله

جواباً على استشارة من أستاذ جامعي في الموصل الحدباء – وهو أخ عزيز وباحث جاد – وتعميماً للفائدة... أضع مقالة تخطيطية حول أهمية تأليف "رسالة أكاديمية" تتناول الشخصية الأنثوية في الرواية الإسلامية المعاصرة، هل الموضوع طويل؟ وهل النماذج كافية؟ وهل هناك روائيون إسلاميون عنوا بهذه الشخصية؟

الجواب بالإيجاب بكل اطمئنان وثقة. تعززهما المعلومات الموثقة للرواية الإسلامية المعاصرة وكتابها المبدعين والمبدعات، وللمستوى الفني الناضج، ولحجم المساحة التي تحتلها شخصية الأنثى من هذا النتاج الثر، وأول ما نلفت النظر إليه هو أهمية هذا البحث في حد ذاته، من حيث هو اهتمام بنصف المجتمع، وهو النصف المشرف أكثر من غيره على التربية وعلى توجيه المستقبل، مستقبل الأمة، من خلال توجيه أبنائها وبناتها، ورجالها الصغار والكبار على حد سواء: الأم التي تهز السرير بيمينها... تهز العالم بيسارها، يضاف إلى ذلك التصدي للسياسات المباشرة وغير المباشرة الهادفة إلى تزيين ظلم المرأة والأنثى محلياً وعربياً وعالمياً، تحت رايات ومسميات مختلفة فضلاً عن تحقيق أهداف الأدب الإسلامي الجميل والتعرف – عن كثب – على جهود الإسلاميين الفنية والفكرية في تحرير الأنثى، التحرير الفطري الحقيقي من الموروث الجاهل أو المستوردات الموبوءة.

الأنثى:

ومما لا يفوت على المتأمل... النص على لفظ "الأنثى" في السؤال/ البحث، وهو أشمل من لفظ المرأة، فهناك البنت والأخت والأم والطفلة والشابة والكهلة والعجوز والعمة والخالة، كل ذلك يدخل تحت لفظ "الأنثى"، ولا يدخل تحت لفظ "المرأة" علمياً، ويتيح المجال، للإحاطة بموضوع المرأة / الأنثى من جوانبه، علمياً وإسلامياً، وغير ذلك من أبعاد ومستويات معرفية، وهذا يقطع الطريق "بحثياً وعلمياً على من يختزل الأنثى / المرأى الحبيبة أو العشيقة، لا غير! وفي هذا الاختزال – وحده – ما فيه من ظلم وسوء.

مصادر البحث ومراجعه

بالطبع كل ما نشر بالعربية من روايات، لا سيما ذوات الطابع الإسلامي، تندرج في دائرة المصادر، على أن هناك بعض الكتب المساعدة في الدخول إلى هذه الروايات، وهي تسهيل الفرز وعملية الاستقصاء، نذكر منها على سبيل المثال:

القصص الإسلامي المعاصر: عرض وتوثيق – يحيى حاج يحيى – دار المجتمع للنشر والتوزيع – 252 ص – جدة – ط1 – 1415 هـ = 1994م. هذا الكتاب يقدم خدمة جلى للباحثين، فقد عمد إلى تلخيص مجموعات القصص القصيرة والروايات، مضيفاً إلى ذلك توصيفاً بيبليوغرافياً لكل منها.

دليل مكتبة الأدب الإسلامي في العصر الحديث – د. عبد الباسط بدر – دار البشير – ج1 – رابطة الأدب الإسلامي – مكتب البلاد العربية – رقم 4 – ط1 – 1413 هـ = 1993م، في هذا الكتاب قسم خاص لتوثيق "القصة" من "ص93 – 105".

حوار مع الرواية المعاصرة في سورية ومصر – د. حلمي محمد القاعود – دار إشبيلية – دمشق -  ط1 – 1999م – 200 ص، فيه دراسات معمقة لعشر روايات.

دراسات في القصة والرواية في بلاد الشام – محمد الحسناوي – دار عمار – الأردن – ط1 – 1412هـ = 2004م – 168 ص – من محتوياته دراسات لخمس روايات سورية.

مساحة البحث

سوف نرى من وفرة الروائيين الإسلاميين والروائيات الإسلاميات أن إنتاجهم الروائي ضخم، كما أن حجم المساحة التي خصوا بها الأنثى ضخم جداً، وهنا يختار الباحث مدخلاً محدداً، لتناول قضية أو أكثر من قضايا الأنثى في الرواية الإسلامية، من حيث الموضوعات  "الاجتماعية أو السياسية أو العاطفية" أو من حيث الجوانب الفنية "الأنثى شخصية أولى أو ثانوية" "الأنثى الداعية أو العادية أو المتعرية" أو "الروايات التاريخية أو الأسطورية أو الواقعية"، وهناك تناول آخر، الأنثى في الرواية الإسلامية المصرية أو العراقية، أو حتى عند كاتب بعينه مثل علي أحمد باكثير أو نجيب الكيلاني، وهكذا.

الروائيون والروائيات

من كتّاب الرواية الإسلامية، وللمرأة حظ في كتاباتهم، روائيات نساء إلى جانب كتاب رجال روائيين، وهذا يوسع حجم المساحة المدروسة، كما يغني البحث في تصدي الأنثى / المرأة للكتابة عن نفسها أو جنسها، أو معالجة قضاياها وقضايا غيرها، من قضايا الأمة الصغيرة والكبيرة على حد سواء. وفي الوقت نفسه يمكن تخصيص البحث في قطاع المرأة من الكاتبات الروائيات وحدهن، إذا رغب الباحث أو الباحثة بذلك، نذكر على سبيل المثال ما يلي:

في مصر: من الروائيين الإسلاميين. علي أحمد باكثير – نجيب الكيلاني – محمد عبد الحليم عبد الله – محمد أنور رياض – عبد الحميد جودت السحار – سيد قطب- من الروائيات: عزيزة الأبراشي– بنت الشاطئ.

في سورية. محمد المجذوب – عبد الودود يوسف – عبد الرحمن الباشا – عبد الله عيسى السلامة – عبد الله الطنطاوي – محمد الحسناوي. من الروائيات نعماء المجذوب – ابتسام الكيلاني.

في الأردن، الروائية: جهاد الرجبي – نافذة الحنبلي.

في العراق، الدكتور عماد الدين خليل – داوود سليمان العبيدي.

في المغرب، الروائية ليلى الحلو.

في السعودية: محمد عبده يماني.

مع العلم أن هذه الأسماء للتمثيل لا للحصر، وأن المستوى الفني يتفاوت منن كاتب إلى آخر، وأن البعد الإسلامي – وضوحاً وخفاء، قوة وضعفاً – يختلف عند الكاتب الواحد، وبالمناسبة هناك إشكال يحتاج إلى انتباه خاص لاستيعابه، وهو تحديد مواصفات الأديب الإسلامي أو الأدب الإسلامي الذي يدرس، فهناك باحث يهودي في الأرض المحتلة كتب رسالة دكتوراه بالإنكليزية، تفيد أن نجيب محفوظ كاتب إسلامي! أشار إلى ذلك رجاء النقاش في إحدى مقالاته.

أنواع الرواية موضوعاً

شخصية الأنثى تبرز أكثر ما تبرز – كما نقدر – في الروايات الاجتماعية، مثل روايات "ملكة العنب – رحلة إلى الله – الطريق الطويل" للدكتور نجيب الكيلاني، ورواية "إصلاح" لعزيزة الأبراشي، ورواية "مارد في صدري" لنعماء المجذوب ومن فروعها الرواية العاطفية كالرواية المترجمة عن الكردية "ممو وزين" ترجمة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ومن فروعها الرواية الحضارية أو التي تعكس الصراع الحضاري، مثل رواية "سر الشارد" لعبد الله عيسى السلامة.

ثم شخصية الأنثى في الرواية السياسية، مثل روايات "عمالقة الشمال – عذراء جاكرتا – الظل الأسود – دم لفطير صهيون – ليالي تركستان – النداء الخالد" للدكتور نجيب الكيلاني، وروايات "الثعابيني – الغيمة الباكية – من قتل الرجل الغامض" لعبد الله عيسى السلامة، و"أرض البطولات" للدكتور عبد الرحمن الباشا، و"الإعصار والمئذنة" للدكتور عماد الدين خليل.

ثم شخصية الأنثى في القصص التاريخي، مثل روايات "وا إسلاماه – سلامة القس – الثائر الأحمر" لعلي أحمد باكثير، و"عمر يظهر في القدس – نور الله" للدكتور نجيب الكيلاني، و"بطل إلى النار – الكواكب الأحد عشر – قصتان من الماضي" لمحمد المجذوب.

ثم شخصية الأنثى في الروايات الأسطورية، مثل روايات "ثورة النساء – كانوا همجاً" لعبد الودود يوسف.

الأنثى شخصية أولى

مثلما كان الرجل أو الفتى شخصية أولى في عدد من الروايات كانت الأنثى أو الفتاة كذلك، هكذا طبيعة الحياة، والأدب الحقيقي صورة للحياة. أو إعادة تشكيل للحياة في صورة من الصور، هناك روايات جعلت الأنثى الشخصية الأولى وأخرى جعلتها ضمن الشخصيات الأولى، لكن لا تكاد تخلو رواية من شخصية أنثوية، سواء كانت أولية أو ثانوية.

من الروايات التي كانت الأنثى فيها الشخصية الأولى، وسميت الرواية باسمها، "إصلاح" لعزيزة الأبراشي، و"سلامة القس" لعلي أحمد باكثير، و"ملكة العنب" للدكتور نجيب الكيلاني، ففي الرواية الأولى تنهض الفتاة ثم الزوجة "إصلاح" بدور مهم في حياة أسرتها قبل الزواج وبعده، كما تحج إلى بيت الله الحرام، وتستطيع إنقاذ زوجها من براثن "المغوية: سهام"، وتكرم كلاً من "سامي" و"سوزان" من تركة أبيها، على الرغم من انكشاف نسبهما إلى والد آخر. أما "سلامة" فهي جارية مغنية في الحجاز أيام العهد الأموي تعرف إلى صوتها، ثم إلى شخصها شيح شاب تقي اسمه "القسّ" تحابّا في الله، وتعاهدا عليه، لكن الأيام فرقت بينهما، ومع ذلك بقيا على الوفاء العفيف حتى الموت. ملكة العنب "براعم" شابة ثرية، يتعرف عليها أيضاً شاب في الثلاثين في الريف المصري اسمه "محمد حسب الله" بعد خلاف بينهما حول نصاب الزكاة من كروم العنب الضخمة التي تمتلكها "الست براعم" لكن تقوى كل منهما، وسعة عقلهما، جمع بينهما أخيراً على الزواج.

ومن الروايات التي تحتل فيها الأنثى مكاناً أولاً بجوار الشخصية الأولى رواية "الغيمة الباكية" لعبد الله عيسى السلامة، و"الثاثر الأحمر" و"وا إسلاماه" لعلي أحمد باكثير، و"الإعصار والمئذنة" للدكتور عماد الدين خليل ومثل هذه الروايات تعكس صورة الأنثى في الأدب الإسلامي واقعاً وطموحاً على حد سواء، كما تعكسها الروايات التي تأتي فيها بأدوار ثانوية.