رنكوس لا تحزني

مجاهد مأمون ديرانية

الثورة السورية: حديث من القلب (13)

مجاهد مأمون ديرانية

المجرمون اجتاحوا رنكوس بالدبابات وقصفوها بالطائرات فمنحوها شهادة من أرفع الشهادات، فلولا أنها صارت كابوسَ ليلهم وصداعَ نهارهم لما أجرموا فيها ذلك الإجرام ولما اجترحوا تلك الموبقات. ولكنْ لا تحزني يا رنكوس، ولا تحزنوا يا أهل رنكوس.

إن كنتم فقدتم اليوم طائفة من الأحباب والأصحاب فإنكم كسبتم صفحة في كتاب المجد والشرف. شهداؤكم العظماء قدّموا نفوسَهم ثمناً للكرامة والحرية وجادوا بالدماء، أولئك الأبطالُ الأجوادُ هم سفراؤكم إلى سِفْر البطولات والأمجاد.

لقد ثارت على النظام الآثم الغوطةُ أولاً، سيأتيه شطرُ حتفه من جهة الغوطة بإذن الله، ثم ثار عليه القلمون ثانياً، سيأتيه من جهة القلمون شطرُ الحتف الآخر إن شاء الله؛ إني أرى مصارع النظام بين السهل والجبل بأمر الله.

وما أنت والقلمون يا أيها النظام؟ أما علمت من هم أهله؟ رجال نحتوا الجَلَد من جلمَد الجبل، وتنسّموا الكبرياء مع نسيم الذُّرى، فمن أين يأتيهم الهوان ومن أين يرتضون الذلّة؟

أنا لم أزر رنكوس قط ولا قابلت أحداً من أهلها، ولو فعلت لافتخرت وتشرّفت، ولكني قرأت ما كتبه جدي -رحمه الله- عنها لمّا ذهب إليها مدرّساً قبل ثمانين عاماً أو نحوها؛ قال: "عندنا قريتان كانتا تُعجزان الحكومات (يقصد أيام الفرنسيين) هما رنكوس وسرغايا"... ثم وصف رجال رنكوس بأنهم "صِلاب العود يقحمون الأهوال". كذلك كان أجدادكم في تلك الأيام يا أهل رنكوس، وإني أنظر اليوم إليكم فما أرى الأيامَ زادتكم إلا رجولةً وصلابة وجرأة على اقتحام الأهوال.

هنيئاً لثورة سوريا بثوار القلمون، نِعْمَ الرديفُ للرديف وخيرُ صفوفٍ لوصل الصفوف. وأنّى لهذا النظام المجرم بالبقاء وقد أعلن عليه جبلُ القلمون الحرب؛ من التل إلى منين وحرنة ورنكوس، ومن مضايا إلى الزبداني وبقين وسرغايا وعين حور، ومن الرحيبة وجيرود وعسال الورد إلى النبك ويبرود، والقطيفة وفليطة ودير عطية وقارّة وحوش عرب وجراجير، وما نسيت أو جهلت من أسماءٍ اللهُ يعلمها ويحصيها ولو نسيتُها ونسيها العادّون؟

ربما قتل النظام اليومَ من فرسان رنكوس العشرة والعشرين، أيظن أنه يرهبكم فيصرفكم عن ثورتكم لو قتل عشرة أو عشرين؟ إن في رنكوس عشرين ألفاً، لو استُشهدوا جميعاً إلا عشرين لأكمل الطريقَ العشرون. كم هو واهم هذا النظام، يحسب أنه يغلبكم بحملة آثمة مجرمة، ما درى أنه أبداً مغلوبٌ بإذن الله وأنتم -يا عمالقةَ القلمون- الغالبون.