هذا أوان التوافق السياسي بين الإسلاميين

بدر محمد بدر

[email protected]

تستعد مصر في هذه الأيام، بكل أطيافها وتياراتها وقواها السياسية والشعبية، للمشاركة في حفل العرس الديمقراطي الذي انتظرته طويلا، وإجراء أول انتخابات برلمانية حرة منذ ستين عاما، ويأمل الجميع في أن ينهي هذا العرس حالة الفوضى التي تمر بها البلاد، وأن يكون بداية لتأسيس حقيقي لمصر المستقبل.

وكم أسعدني أن تنتشر بين التيارات والحركات الإسلامية المختلفة في هذه المرحلة، دعاوى يقودها العلماء والدعاة وخطباء المساجد، تؤكد على ضرورة التوافق ووحدة الصف وعدم الفرقة بين العاملين للإسلام في الانتخابات القادمة، وهي حالة تعبر بوضوح عن درجة عالية من الوعي الديني والسياسي، ورؤية ثاقبة تهدف إلى تغليب مصلحة الوطن في هذه الظروف، وهي أيضا دليل على أن مساحة الاتفاق بين التيارات والحركات الإسلامية تزداد وتنمو في عصر الحرية.

هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد تحتاج، كما أسماها فضيلة الشيخ صفوت حجازي، في خطبة الجمعة الماضية في مسجد راغب بمدينة 6 أكتوبر، إلى عضو البرلمان الذي يوصف بأنه "القوي الأمين"، مصداقا للآية الكريمة "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وفسر القوة بأنها قوة الحق والعزيمة والإصرار على تحقيق آمال الوطن، وفسر الأمانة بأنها الالتزام بصدق وتجرد بقضايا الأمة، وأكد على ضرورة مشاركة المرأة المسلمة بكل قوة لدعم المرشح "القوي الأمين".

ومن ذلك أيضا ما قرأته وسمعته من العالم الجليل الشيخ محمد عبد المقصود، وهو القيادي المعروف والبارز في التيار السلفي، وهو يدعو إخوانه وتلامذته ومحبيه وكل مسلم إلى اختيار ذوي الخبرة والرؤية والتخصص، من أصحاب الاتجاهات الإسلامية المختلفة، ويحذر من الاعتماد على العاطفة وحدها في اختيار للمرشح، التي تتجلى على المظهر الديني وحده، وهو بذلك يقدم المثل والنموذج للعالم والفقيه البصير، الذي يرى ضرورات واحتياجات المرحلة، ويتعالى على الحزبية.

ومن ذلك أيضا ما أعلنته "الجبهة السلفية" أوائل هذا الأسبوع، ونشرته الصحف على لسان المتحدث الإعلامي باسمها د. هشام كمال، من أنها قررت، بعد أن راجعت مشايخها وعلماءها الأجلاء، الدعم الكامل لمرشحي حزب "الحرية والعدالة" في الانتخابات الحالية، وأكد بيان الجبهة أنهم (أي مرشحي الحرية والعدالة) "أكثر القوى الإسلامية على الساحة خبرة، وأن دعمهم يحقق المقاصد الشرعية من المشاركة في البرلمان، وهي تحقيق طموحات وآمال الشعب المصري".

أيضا استمعت من خلال القنوات الفضائية وال "يوتيوب" إلى علماء ودعاة كثيرين في الأيام الماضية، ينتمون إلى التيار السلفي الواعي، ومنهم الشيخ الدكتور أحمد النقيب، وهم يدعون أيضا إلى التوافق حول أهل الخبرة في هذا الميدان، وإعطاء الفرصة لمن هم أكثر دراية بالعمل السياسي والبرلماني من أبناء التيار الإسلامي، ويثنون ثناء طيبا على مرشحي الإخوان المسلمين، وضرورة دعمهم والتصويت لصالحهم، وعدم تشتيت الأصوات بما يصب في صالح دعاة العلمانية واليساريين.

وفي الوقت ذاته تؤكد تصريحات قادة الإخوان المسلمين، ومسئولي حزب "الحرية والعدالة"، على أهمية وضرورة التعاون والتنسيق والتكامل مع الجميع، وبخاصة الأحزاب والقوى والتيارات الإسلامية، التي تشارك في العمل السياسي وتخوض الانتخابات لأول مرة، ويبدون استعدادهم الكامل لتقديم الدعم والخبرة السياسية والبرلمانية لإخوانهم، وصولا إلى إتاحة الفرصة أمام الجميع للمشاركة الجادة في رسم خريطة مصر الحرة .. مصر المستقبل.

هذه المواقف الشامخة للدعاة والعلماء وقادة الحركة الإسلامية وأئمة المساجد، تؤكد أننا إزاء مرحلة تاريخية مهمة، يتعالى فيها أبناء التيار الإسلامي الواعي على الانتماء الفرعي إلى الانتماء الأساسي للدين، وينظر فيها الكل بعين المصلحة العامة للأمة وللإسلام، إنها مصر الحرة.