حتى أنت يا شيخ الدنانير ؟؟

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

حتى أنت يا شيخ العملات المالية كلها ستفقد ملامحك العربية في العراق, وترتدي الشروال الكردي ؟, فهل ستخسر لغتك الجميلة الموشومة على وجنتيك بالخط الكوفي ؟. .

كان بريقك ولمعانك رمزا للثروة والثراء, وعلامة من علامات الرقي والحضارة, ولدت في روما القديمة, وسجلت اسمك الأول بعد ولادتك الفضية, فكنت باللاتينية (ديناريوس) وتعني عشرة, لأنك كنت تساوي وقتذاك عشرة آسات برونزية, ثم جاءت ولادتك الذهبية على يد يوليوس قيصر, وتحسن اسمك ورسمك شيئا فشيئا حتى أصبحتَ (دينر) على لسان الإمبراطورية البيزنطية, لكنك سرعان ما انتقلت إلى الشام وارتديت حلة عربية قشيبة زاهية رائعة بروعة الخلافة الإسلامية, ونلت شارتك العربية لتصبح دينارا عربيا, فتسيدت على العملات كلها في الشرق والغرب, وذاع صيتك من يومها بين الشعوب والأمم, وها أنت اليوم تمثل القيمة النقدية الرسمية في الجزائر وليبيا والبحرين وتونس والأردن والكويت والجمهوريات اليوغسلافية المتفككة, بيد انك في العراق تميزت بحمل ختم الدولة العربية على صورتك الورقية, وهو الختم الذي حملته الدنانير الذهبية البغدادية على جبينها الناصح المتلألئ, وتداولها الناس من قرطبة في الأندلس إلى سمرقند وخوارزم وبلاد ما وراء النهر

لا إلــــه إلا

الله وحــده

لا شريك له

ترى كيف سيصبح شكلك يا أبو الدنانير بعد إقحام مفردات اللغة الكردية على بياناتك المثبتة في هويتك العربية ؟؟. وكيف ستتعامل مع هذا الوضع الطارئ على سيرتك النقدية العريقة ؟, وهل ستتنازل حقا عن أصالتك بهذه البساطة وتتقبل اللغة الثانية ؟, أم انك سترفضها وتحتفظ بملامحك الأصيلة الضاربة في عمق التاريخ ؟.

ألا تعلم يا ديناريوس إنَّ سويسرا سيدة الديمقراطية تنتمي إلى ثلاث قوميات (ألمانية, وفرنسية, وايطالية), بيد أن عملتها تربعت فوق منصة البنوك الدولية, ونالت أرفع المراكز في عالم البورصة والمال بلغة واحدة لا تعرف غيرها. .  

أولم تعلم يا ذخيرة كنوز العراق أن الهند تتحدث بأكثر من مائتين لغة, تتفرع منها (1652) لهجة, منها الهندية والأوردية والسنسكريتية والتاميلية والدرافيدية والبنغالية والبوجبورية والبنجابية والكشميرية والسندية والتيلوغوية والكنادية والبجرية والمليبارية والنيبالية والماروارية, لكن (الروبية), و(البيزة) كُتبت باللغة الهندية الآرية, التي يتحدث بها 74% من سكان الهند, فكيف ترضى لنفسك أن تصبح هجينا مشوشا قلقا متذبذبا, وتفرط بلسانك العربي ؟. .

ألا تدري يا سيد النقد العربي أنَّ بريطانيا تضم القوميات الاسكتلندية والويلشية والايرلندية خلف أسوار المملكة المتحدة, وفيها نحو ثلاثة ملايين مسلم, بينهم حوالي مليون عراقي, ومع ذلك جاءت عملتها بلغة ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا, فما الذي دهاك أنت حتى ترطن بلسان أعجمي ثقيل ؟. .

أولم تعلم يا زعيم الفلوس والدراهم أن الاتحاد السوفيتي السابق كان يضم أكثر من ثلاثين قومية, بيد أن (روبل) القياصرة والبلاشفة والمناشفة, ظل يتفاخر بلغته الروسية المسقوفية, التي تحدث بها (ليو تولستوي), و(مكسيم غوركي), و(دوستويوفسكي), و(ميخائيل بولغاكوف), فما الذي ستقوله أنت للجاحظ والفرهيدي والأصمعي والحريري والمبرد والمتنبي والجواهري ومصطفى جواد إذا خسرت لغة الضاد الفصيحة الصحيحة, وارتميت في أحضان اللهجات الكردية (السورانية والكورانية والكرمانجية واللورية), التي تنتمي كلها إلى اللغات (الهندو إيرانية) ؟, فهل ستستسلم وتتخلى عن لغة القرآن الكريم ؟, أم أنك ستتمسك بعروبتك وأصالتك, وتحتفظ بوقارك وطلعتك البهية ؟. .

وليكن في علمك يا ملك الدنانير والقروش والفلوس والدراهم إنَّ من يتمسك بأصله وأصالته لن يفقد قيمته, ولن يضل طريقه أبداً أبداً.