وكيف نعيد الوطن والحقوق إذا

محمود أحمد الأحوازي

محمود أحمد الأحوازي

[email protected]

في القرن الماضي تحررت عشرات الشعوب من الإحتلالات المختلفة بالكفاح المسلح وبتضحيات كبيرة في بعض المناطق مثل جنوب شرق آسيا و أمريكا اللاتينية وإفريقيا، ضحايا بعض شعوبها تجاوزت عدد نفوس الشعب الأحوازي اليوم، لكن نتيجة تلك التضحيات كانت دائما الإنتصار للشعوب سواء كان ذلك بالمقومة المسلحة مثل ثورة الشعب الجزائري الذي كانت تضحياته عدة ملايين أو بالعمل السياسي مثل الثورة الهندية أو بالاثنين.

في القرن الواحد والعشرين الذي انهينا عقده الأول قبل شهور، قرن حقوق الإنسان حسب قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طبقتها بحسن نية أو بسوء نية الدول الكبرى على بعض الدول مثل يوغسلافيا أمس وعلي ليبيا اليوم وفي كلا الحالتين سلحت الدول الكبرى وحلف الناتو خصوصا المعارضة في ليبيا وفي كوسوفو وتدخلت بقوة لصالح البوسنة والهرسك والكروات و دخل حلف الناتو تحت ظل قرارات الأمم المتحدة لحماية المدنيين ولتطبيق حقوق الإنسان حسب ما يعلنون، بمعنى آخر، هذه الدول تدخلت لحماية المدنيين، دربوا وسلحوا أبناء الشعوب وساندوهم جوا وبحرا وبرا حتى يعيدوا حقوقهم الإنسانية حسب ما أعلنوا.

في جنوب السودان قبل شهور قليلة، حصل الشعب على استقلاله من شمال السودان بتدخلات دولية وصلت الى حد تهديد الرئيس السوداني بمحاكمته في المحكمة الدولية بعنوان مجرم حرب،  والجبهة الشعبية لتحرير جنوب السودان هي التي استلمت السلطة بعد حمل السلاح وتجنيد الأطفال الممنوع تسليحهم دوليا لمدة عشرين عام، واعترف الغرب والعالم بالنهاية باستقلالهم وهذا حقهم وهم يطالبون اليوم شمال السودان ببعض أموال الجنوب التي استغلت من قبل الشمال، ومنها بيع نفطهم الذي مازال النزاع عليه قائم بين الشمال والجنوب.

اما نحن الأحوازيين اليوم، بعد ما يقارب السبعة وثمانين عام، لا يزال وطننا محتل ولا تزال ثروتنا تنهب ولم يبقى منها إلا القليل تحت الأرض وفي كل هذه الأعوام كانت ثروتنا العمود الاقتصادي الفقري للحفاظ على الإمبراطورية الفارسية، واليوم تستغل هذه الثروة الأحوازية للتجاوز والتوسع على حساب العرب الآخرين وتستغل لتدخلات إرهابية للنظام في المنطقة وفي كل بقاع العالم ناهيك عن استغلالها لقمعنا وقمع الشعوب الأخرى في إيران، ومع ذلك، مازال هناك من يحاججنا على حقنا في النضال والمقاومة خصوصا في هذه الأيام التي ارتفعت فيها روح المقاومة لدى شعبنا، لا بل وتجاوز البعض ذلك و يلومنا على مطالبتنا، مجرد مطالبتنا بحقوقنا ولو بدون سلاح، ويبرر ذلك لمعارضة المجتمع الدولي لهذا الأسلوب من النضال لإعادة الحقوق!

و لنا ان نسأل هؤلاء اللائمين، يا ترى، هل سمح لنا المحتل ان نناضل سياسيا؟ هل سمح لنا بتشكيل أحزاب وتظاهر واعتراض سلمي للمطالبة ولو ببعض من الحقوق؟ هل نحن الذين حملنا السلاح على الإحتلال أم ان الإحتلال هو الذي حمل السلاح علينا بسبب مطالبتنا السلمية لحقوقنا؟ ومن لم يعرف اننا شعب مغلوب على أمره، لم يطالب ولن يطالب باحتلال أراضي الغير، ولم يحمل السلاح ولن يحمله في المستقبل لضم أراضي دولة أخرى أو شعب آخر، ولم ولن نطالب نحن أحدا لتحرير الوطن لنا، لا من الناتو ولا من العرب ولا من أي جهة أخرى،  وتقتصر مطالبتنا بمساندة العالم لنا دوليا وإنسانيا، أما التحرير فهو واجبنا، ولا نريد ان يرفع احد أشقاءنا العرب السلاح لتحرير شعبنا وأرضنا، ومطالبتنا لهم تتلخص بالمساعدات اللازمة لتسيير نضالنا للخلاص من عدونا وعدوهم وقبولنا رسميا جزء من الشعب العربي في مؤسساته الرسمية وهذا حقنا، وهذا أهم وأعظم طلبنا منهم، وهل هذه المطالب إرهابية؟ وهل مطالبتنا من العالم لمساعدتنا مطلب إرهابي؟ وهل دفاع مقاومتنا عن حقنا في النضال السياسي الآمن إرهابا؟ إذا ما هو تعريف كلمات مثل التحرير والوطن و الكرامة والحرية بدون تعريفها عملا على الأرض؟ وهل الشهداء الذين سقطوا في الربيع العربي في كل الدول العربية من اجل حريتهم كانوا إرهابيين؟ وهل سمتهم أي جهة إنهم ارهابيين؟ إذا لماذا هذا التجني على نضالنا وعلى مقاومتنا؟

من جانب آخر،  نعرف جيدا نحن الأحوازيين ان الغرب مازال ينظر لمصالحه ضمن الأميراطورية الفارسية، ولا يعير أي اهتمام لاضطهادنا واستقلالنا ولا يسمح حتى بالتفكير بتفكك إيران التي تلعب دورا مؤثرا لقذف العرب في أحضانه بإرهابها وتدخلاتها وتهديداتها وتوسعها. هذه المصلحة تأتي من منطلق ضرورة غربية لوجود تهديدات للدول العربية الصغيرة والكبيرة في المنطقة، حتى لا تخرج هذه الدول من طاعة الغرب، لكن هذا لا يعنينا نحن الأحوازيين، هذا لا يعني ان نقف نحن مكتوفي الأيدي ولا نتخذ الخطوات التي تضطر الغرب وأمريكا لتغيير رؤيتها للواقع الأحوازي الإنساني والإقتصادي ولما نعانيه كشعب ولما تعانيه الشعوب في إيران،  ونبقى نعمل على تغيير هذه الروية عند الغرب على أساس ان إيران شاء الغرب أم أبا ستتفكك، حيث بإعادة حقوقنا، بما فيها ثرواتنا، هذه الإمبراطورية لن تكون قادرة على الحفاظ على إطرافها، وليس لدينا حيلة غير النضال ولا يعنينا تفكك إيران أي شيء وان كان هو مصلحة مستقبلية لنا وللمنطقة، واحتمال تفكك إيران يأتي نتيجة للقمع الذي استمر لما يقارب 100 عام على الشعوب، ونظرا لخروج العلاقة بين القوميات غير الفارسية والسلطة الى مرحلة ألا عودة ونظرا لأهمية قرار القوميات بسبب أعدادهم وهم جميعا مقموعين ومحرومين من ابسط حقوقهم، ونظرا لاتساع نضال هذه القوميات و توحدهم وقوتهم في داخل إيران بالنسبة للأقلية الحاكمة، وأيضا نظرا لما عانت منه دول المنطقة من التدخلات الإيرانية وسياساتها التوسعية، وهذا سيدفع بالدول المجاورة قريبا للتعاون مع القوميات لتفكيك إيران وستركع هذا الدول لهذه الحقيقة عاجلا أم آجلا وستقر ان تعاونها مع الشعوب في إيران ضرورة لمستقبلها من خطر الاحتلال والهيمنة الإيرانية لها، خاصة وان القوميات لا تطالب بدخول جيوش لمساعدتها، بل هي مكتفية بمساعدات فقط، هي متوفرة عند دول الجوار دولا وشعوب وهذا التعاون سيحصل بحكم الضرورة مهما تأخر.

أما الغرب، مع معارضته لتفكك إيران، لم يمنع حتى الآن ولم يتهم الأحوازيين والقوميات الأخرى في إيران بالإرهاب وما شابه بسبب حمل السلاح والنضال، بل وأكثر من ذلك الغرب فاتح أبوابه للجوء المناضلين وقياداتهم، وكثير ما جلس قادته مع قيادات القوميات واستمعوا لشكاويهم ومطالبهم، وهناك إصرار من القوميات على العمل مع كافة دول العالم بقصد إقناعها بضرورة قبول تفكك إيران مستقبلا من اجل ضمان استقرار المنطقة خاصة وان إيران نفسها لن تتمكن في المستقبل ان تضمن الإستقرار لنفسها بعد ما أفقدت جميع الجيران استقلالهم،

والموضوع الآخر الذي يبقى في هذه المعادلة، هو رفض بعض الأحوازيين لإستراتيجية التحرير بسبب عدم جهوزية الشعب الأحوازي لاستلام السلطة حسب رؤيتهم، وهم يرفضون أي نشاط احوازي فيه تحدي للاحتلال وفيه مقاومة لجرائمه ضد شعبنا ومنها جرائمه في منع أي نشاط سلمي مثل المظاهرات السلمية، ومعارضتهم لأي نشاط يتطلب حزم وإصرار ولو كان مدنيا، خاصة إذا ارتكب النظام لمواجهة هذا النشاط قتل أو اعتقال أو... لا بل ويتهموا قوى المقاومة بالمواجهة بدل ان يتهموا النظام الذي يصر عليها حتي لو كان النشاط مجرد تجمع بسيط. هؤلاء لم يلوموا النظام في قمعه للمظاهرات السلمية وخروجه عن الشرعية الدولية بل يلومون القيادات والتنظيمات الأحوازية التي تدعوا للمظاهرات السلمية!! والسئوال الذي يطرح نفسه هنا هو، إذا ماذا نفعل؟ هل هناك فرصة حتى نناضل في إيران مثل ما ناضلت القيادات الهندية الانجليز في القرن الماضي؟ وهل لدينا فرصة مقاطعة "كبك" في كندا حتى نعمل في اوساط شعبنا ليتخذ قرار الاستقلال في ظل الدستور؟ هل هناك إمكان ان يسقط النظام بانتقام من الله رحمة بنا وبسبب جوعنا وبطالتنا وعطشنا وموت أطفالنا من الأمراض المتنوعة؟ هل علينا ان نستعجم ونترك كل ما لنا ونسبح في خليج فارسي مطهرين أنفسنا من كل ما هو عربي وكل ما هو احوازي وكل ما هو أنساني وكل ما هو حق، ونصبح ذيلا حقيرا خلف أسوار حكم حاكم جائر وعنصري متعالي وحرامي ناهب لكل ما نمتلك من ذات عربية وثروة؟ الا يكفي ما مر به شعبنا من قتل في الشوارع لمجرد اعتراض سلمي؟ الا يكفينا حرمان وجوع وتشرد وتحقير مستمر وثروتنا الأحوازية تغني اليوم إيران وتؤمن لهم 90% مما ينفقون لآلة التدخل والإرهاب؟   

إذا، الحرية حقا لنا، والتحرير هو واجبنا وحمل السلاح ضد معسكرات النظام ومراكز قمعه لنا هو حقنا وهو واجبنا، ومواجهة القمع لشعبنا حقا مكفول في الشرائع الدولية، ومن يقول ان حمل السلاح يسبب إحراجا لثورتنا مخطئا حيث ان حمل السلاح للقوميات غير الفارسية عمره أكثر من 60 عام في كردستان ولم يتهم أي من التنظيمات الكردية في إيران بالإرهاب، ورفع السلاح قبل اليوم في كل مستعمرات بريطانيا وفرنسا واسبانيا وبلجيكا وهولندا و...  وخرج كل هؤلاء المستعمرين، وتحررت كل الشعوب التي ناضلت لطردهم، واليوم هذه الشعوب أصدقاء لهم وبعضهم حلفاء لمستعمريهم السابقين، ولن نرفض نحن أيضا ان تكون لنا علاقة بالفرس في المستقبل أيضا إذا تحررت أرضنا وربطتنا بعض المصالح بهم.

إذا، كفى تذبذب وكفى شعارات لا تحرر ولا تعيد كرامة ولا تشبع شعبنا ولا تبعد شبح الموت منه، وكفى تزمير، في وقت يتجه فيه شعبنا كله باتجاه المقاومة الحقيقية والمؤثرة و بهذا شعبنا انتخب القرار الصحيح، وعلى من لا يسير في هذا الاتجاه ان لا يقذف بحجارات عثرة على طريق المقاومة، أما واجب العالم تجاه شعبنا، هو ان على العالم ان يسندنا بعد ما تركنا نقتل يوميا ولتسعين عاما دون رحمة ودون مناصرة من أحد!