قصة شعب

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

فكرت طويلاً في قصة شعب عربي بين المحيط والخليج , لأعثر على مقارنة بين واقع هذا الشعب وسبب انحاطاطه حتى أصبح في ذيل قائمة الشعوب العالمية , فلا هو أعطى شيئاً للأمام , ولا هو استطاع ان يعبر عن ذاته بإسلوب تجعل عنده  زهرة في ربيع الانسانية .

توجد أسئلة كثيرة في داخل النفس , ومن هذه الأسئلة :

ماهو الفرق بيننا وبين الشعوب الأوروبية وهي المتاخمة  , وتشترك حضارتنا مع حضارتهم عبر الزمن الممتد فلا هم خرجوا من بلادنا ولا نحن خرجنا من عندهم , فإما الغزو أو الإحتلال او التبادل الثقافي والبشري وعدد ماشئت , ولم ننتفع من حضارتهم إلا التخلف والتراجع إلى الوراء , فلماذا ؟

قلنا السبب في الأنظمة التي تحكمنا , وهل هذه الأنظمة صنعت في كوكب آخر ومن بعدها جيء فيها , وبقوة جعلت منا عبيداً منذ عدة قرون ؟

أم ان السبب هي القصة التي أرويها , هي ليست قصة , هي وقائع يعرفها القاصي والداني , ولكن لايعي سببها , أو لايعرف مخاطرها .

في مقالة أدبية للفيلسوف الكبير (زكي نجيب محمود ) رحمه الله , من كتابه جنة العبيط  , والذي أراحني كثيراً حتى أستطيع أن اجيب على بعض مما ذكرت .

لن أنقل قوله رحمه الله كما هو ولكن سأنقل الإجابات عن تساؤلاتي , فقد وجدت نفسي أمام مايقول :

كل إنسان عندنا في داخله نوعين من الحيوانات , فهو تارة حمل , وتارة أخرى ذئب , فإن كان مقامه أمام الضعيف صار ذئباً , وإن وجد نفسه أمام معاليه صار حملاً , وهو بالتالي لن يكون ذئباً طوال حياته ولا حملاً طوال حياته , فلو نظر كل شخص في ذاته واستطاع ان يجيب على السؤال الآتي :

أي نوع من الحيوانات يستقر في داخلي ؟

فعندما يهجم ذئب على خاروف (حمل ) , وينهش قطعة من جسده , وهنا ترى أن الذئب يفتخر بعمله فهو يريد أن ياكل حتى يعيش , والحمل فرح بالنتيجة , في أن لم يمت بعد , وما عليه إلا ان يسارع بقلم وقرطاس ويكتب :

سيدي الذئب , فيرى كلمة سيدي لاتفي بالغرض , فيقول سيادة , ولا تفي بالغرض , فيكتب سيادة القائد المجاهد المناضل المقاتل المؤمن العظيم المفدى سيادة الذئب المحترم , والدماء تسيل من جرحه .

فهل فكر الحمل هذا بإسلوب يقوي فيها جلده , ويطيل فيها قرنيه , ويقوى حافريه ليكون عوناً له في مقاومة الذئب هذا ؟

أم انه اكتفي بتوقيع حافريه على ورقة الاسترضاء تلك ؟

أليست هذه هي حقيقة هذا الشعب , لم ينظر في داخله ليعرف من يكون , ولا إلى الحيوان الذي يسكن في داخله , فقد اعتاد هذا الشعب على حيوانه في داخله متوارثا الآباء والأجداد ألا وهو: أنه  حمل , ففي طبيعة الحمل مخلوق للذبح والأكل , وليس من حقه أن يدافع عن نفسه , أمام ذئاب تترصده , ولكنه يتحول الفرد منا لذئب أمام حملان تماثله في المقام ولكن عنده ناب في مجلس الحكم, وعندما يرى ذئباً يفوقه يعود لجلده المغطى بالصوف .

في سورية مثلاً :

إن أول من انسلخ عن جلده الصوفي هو أطفال في الابتدائية من درعا , وقالوا لن نعيش بعد اليوم خرفان معدة للذبح , وسنقاوم تلك الذئاب بكل الوسائل , وسمعت فيهم الذئاب وهمت لتلتهم الجميع , فقد اعتادت منذ عشرات السنين على أن هذا المجتمع ليس إلا مجتمع من الخرفان , ونحن ذئاب نقتات عليهم في أي وقت شئنا , ولو تركناهم , لحلوا مكاننا وصرنا نحن الحملان وهم الذئاب .

وكان صوت الأطفال مدوياً أحيا العزيمة في نفوس الآباء , فقالوا :

هذا هو أصلنا (فإن لم تكن ذئباً اكلتك الذئاب ) , وانسلخ الملايين من جلودهم الوديعة والمطيعة , ولم يرهبهم بعد ذلك كل انواع الوحوش المفترسة , ولكن ياللأسف مازال الملايين من الشعب السوري لم يع بعد أن في داخله ذئب , وما زال جلهم لايعرفون أنفسهم إلا , حملاناً خلقت للذبح وافتراس الذئاب , فهويعيش في جنة اسمها جنة العبيط .

فذئاب الثورة شابة قوية مندفعة كالسيل , بينما ذئاب الحاكم هرمت وشاخت ومصيرها الفناء لتعود لطبيعتها الحقيقية , في أنها لم تكن ذئاباً إلا على كل من اعترف بنفسه أنه خروف , ولكنها أمام الذئاب الحقيقية فهي أجبن من فأر صغير امام هر كبير .