اليوم العالمي للغة العربية

يسري الغول

[email protected]

يومها كنت عائداً من مدينة كولونيا إلى ليفركوزن؛ وكانت المرة الأولى التي أزور فيها تلك المدينة. وحين قفلت عائداً لمرتعي، توجب عليّ معرفة الطريق عبر ذلك القطار الذي أصعده للمرة الأولى؛ فسألت فتاة تقابلني في المقعد إن كانت تتحدث الانجليزية، فهمهمت كأنها لم تفهم ما أقصده، وحين كررت سؤالي بالإنجليزية لم تعرني أي اهتمام؛ فأخبرتها بأنني أرغب بمعرفة محطة أوبلدن فقط، دون أن أسمع سوى ضحكاتها مع رفيقتها البدينة. وعندما أوشك القطار على الوصول خاطبتني بإنجليزية متقنة: هنا محطة أوبلدن إن أردت المغادرة. دهشت، فسألتها مجدداً: هل تتحدثين الانجليزية؟ فقالت: نعم. فعرفت وقتها كم يقدس هؤلاء لغتهم ويعتزون بها، ويرفضون التحدث بغيرها رغم أنهم يتقنون لغات أخرى.

ولم يتوقف الأمر عند الألمان، بل في إسبانيا تكاد لا تجد أحداً يتحدث الانجليزية بطلاقة أو يرغب بممارستها لإيمان أهلها بلغتهم كهوية وقومية ومعتقد. وفي فرنسا كذلك الأمر وفي تركيا وغيرها من بلاد الله.

أما في بلاد العرب، التي حباها الله بلغة الضاد، لغة القرآن؛ فإن شبابها يحاولون دمج حروف ومصطلحات وكلمات أخرى إلى جانب اللغة الأم لإثبات مستوى ثقافتهم، معتقدين أن العربية ليست سوى متاع قليل. ولعلنا كثيراً ما نسمع الفتيات يقلن مثلاً: تشاو وأخريات يقلن: هاي. ونسي شبابنا أن اللغة العربية لا تقبل الهجين، وأن اللغة العربية ستظل عظيمة ما بقي الزمان والمكان. فهي لغة القرآن ولغة أهل الجنة. لكن –للأسف- وصول الأمة لحالة من الضعف والتشتت أصاب العطب في جذور لغتها، لكنه سيتعافى عاجلاً أم آجلاً. ولعل الأمة بحاجة لأن تعود إلى هويتها العربية والإسلامية التي تجمع الكل تحت مظلتها لأنها الجدار الحصين للتنوع والثقف والتفكر. ولقد كان شباب الغرب في زمن النهضة والتنوير يقلدون الشبان العرب لتثور الكنسية ضدهم متأسفة عن وصول أوروبا لذلك الحال. أما اليوم فنحن نعيش حال التناقض وانتكاسة في اللغة والأخلاق والمواقف.

ولقد صادف يوم الخميس الماضي 18 ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية دون أن نسمع صوتاً للمؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، إلا من خلال عدد قليل ونادر من تلك المؤسسات. فمؤسسة عبد المحسن القطان للطفل كانت إحدى تلك المؤسسات التي اهتمت وتهتم باللغة من خلال فعاليات غاية في الروعة والإتقان. ورجاؤنا أن يستثمر الجميع العولمة والإعلام الاجتماعي من خلال الترويج للغة العربية وتعزيزها لدى أبنائها والعالم حتى نصبح في طليعة الدول كدول مؤثرة وناهضة في شتى العلوم والآداب.

كل عام ولغتنا العربية بألف خير.