بين انتصار العاشر من رمضان وانتصار الثورة

بدر محمد بدر

[email protected]

تمر اليوم الأربعاء الذكرى التاسعة والثلاثين لانتصارنا العظيم في حرب العاشر من رمضان 1393 ـ السادس من أكتوبر 1973 ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، ونجاح جيشنا الباسل في دحر الكيان العنصري الغاصب، وإلحاق أول هزيمة عسكرية أليمة بالصهاينة، ورد الاعتبار إلى العسكرية المصرية الشامخة، وإلى الشعب المصري والعربي الأبي.

وفي هذا اليوم التاريخي نحيي أبطال قواتنا المسلحة الباسلة في عيدهم السنوي، ونقدم له أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان، ونتذكر بكل فخر وإعزاز شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم الغالية من أجل هذا الوطن الحبيب.

لقد عاشت مصر عقب هزيمة الخامس من يونيو 67 شعورا هائلا بالمهانة والمذلة والانكسار، وإحساسا عميقا بالمرارة والتيه والضياع، وواقعا حياتيا ونفسيا شديد الوطأة، فلا حرية سياسية يتنفس فيها الناس، ولا عدالة اجتماعية تنصف الفقراء والمساكين، ولا مكان للدين في سياسة الدولة، ولا إحساس بالكرامة الوطنية بسبب الهزيمة النكراء، بل معتقلات وسجون مفتوحة لآلاف المعارضين من كل الاتجاهات، وسيادة استبداد التنظيم السياسي الواحد، وانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة.

ثم جاء انتصار حرب (رمضان ـ أكتوبر) لينهي مرحلة بائسة من تاريخ هذا الوطن، وليفتح الأبواب أمام مزيد من الحرية وعودة الديمقراطية ونشأة الأحزاب السياسية، لكن هذا المسار سرعان ما انتكس مرة أخرى، وانتهى بأكبر حملة اعتقالات في صفوف المعارضين السياسيين، وتم اغتيال الرئيس السادات أثناء مشاهدته للعرض العسكري في أكتوبر 81، ثم تجدد الأمل في بداية الثمانينيات، لكنه تبدد تماما بمضي الوقت، وازدادت الأوضاع سوءا حتى بلغ السيل الزبي في السنوات الأخيرة.  

وفي ذكرى انتصار العاشر من رمضان لهذا العام، يمن الله على بلدنا الحبيب بثورة يناير، لتصحح مسار الوطن الغالي، وتعيده إلى طريق الحرية والديمقراطية والعدالة من جديد، وتحقق أمل المصريين في النهضة والتقدم والازدهار، وإذا كان البعض يتعجل النتائج، ويستبطئ الثمار، ولا يرى جديدا في الأفق القريب، من فرط ما عاش محروما يائسا، فإن النتائج بإذن الله قريبة، والثمار أوشكت على النضج، والنور بدأ يلوح في الأفق، والأمل في المستقبل بفضل الله أقوى وأفضل.

ومن بين دروس حرب رمضان، التي علينا أن نتذكرها ونضعها نصب أعيننا، أن العودة إلى الله واللجوء إليه سبحانه، وإيقاظ الإيمان في نفوس أبناء الوطن، واحترام شعائر الدين، ووحدة الأمة وقوة ترابطها، وشدة تلاحمها وتماسكها، إضافة إلى الأخذ بكل عوامل ومقومات النصر، والابتعاد عن أسباب الهزيمة، وقوة الإرادة في تغيير الواقع وعدم الاستسلام لليأس والتخاذل، والصبر والمثابرة والمجالدة في مواجهة التحديات، ومقارعة الخطوب والشدائد، وهذا هو طريق النصر.

ونحن في هذه المرحلة الدقيقة من عمر "ثورة التحرير" نحتاج إلى تأمل هذه الدروس، واستيعاب حقائقها والالتزام بها، حتى تستكمل ثورتنا المجيدة طريقها نحو الانتصار الكامل، فقد نجحت الثورة حتى الآن في القضاء على الخوف بين جماهير الشعب، وامتلاك القدرة على التحدي والصمود ومواجهة الظلم والفساد، وكانت النتيجة هي سقوط النظام في أعنف مراحل طغيانه وجبروته، وها هم أكبر رموزه يحاكمون أمام محاكم مدنية، وليست عسكرية أو استثنائية، كما كانوا يفعلون مع أبناء شعبهم.

إنني على ثقة بأن مصر العظيمة قد اجتازت بالفعل أخطر مراحل الأزمة، وبدأت تسير في طريق النهضة والتقدم والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، وهو طريق تحميه الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وتقويه الديمقراطية والشفافية والقبول بالآخر، وتدعمه المسئولية الوطنية والمشاركة الإيجابية، وتصونه الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وترعاه الثقة والأمل المشرق في المستقبل.