مرشد الإخوان في زيّ الإعدام الأحمر

مرشد الإخوان في زيّ الإعدام الأحمر

رأي القدس

ظهر محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المصرية محمد بديع، أمس الأحد، مرتديا زي الإعدام الأحمر، لأول مرة، خلال جلسة محاكمته في قضية أحداث سجن بورسعيد.

ارتداء بديع «البدلة الحمراء» لأول مرة، يقدّم مشهداً لافتاً ومؤثراً ويحمل دلالات كثيرة. وجّه بديع كلمة مؤثرة الى القاضي من داخل قفص الاتهام، قال فيها: «أنا أحاكم في نحو 43 قضية من قضايا الإرهاب، وأرتدي البدلة الحمراء، وهذا ظلم بيّن»، مضيفاً: «أوجّه شكواي الى الله أولا، وإلى هيئة المحكمة بأن تحقق العدل معي».

ومن المتوقع أن يصدر القضاء المصري غداً الثلاثاء أول حكم ضد الرئيس السابق محمد مرسي، ومن غير المستبعد أن يكون الحكم في هذه القضية (وهي إحدى 5 قضايا) بإعدامه، وذلك بعد قرابة 20 شهراً من اعتقاله وإطاحته من قبل الجيش، خصوصاً وأن مئات أحكام الإعدام لمؤيدي الإخوان قد صدرت، ووصفتها الأمم المتحدة بأنها «غير مسبوقة في التاريخ الحديث».

تترافق الأحكام القضائية الجماعية التي تتوالى مع حملات اعتقال وقمع لم تنقطع منذ عشرين شهراً، مع قوانين «رئاسية» وحكومية تجرّم الجماعة وتعتبر المنتسبين لها إرهابيين، بل وتعمل بشكل محموم على تعميم ذلك عربياً ودولياً، في إعلان لحرب مفتوحة لاستئصال هذا التيّار الإسلامي في مصر وخارجها.

منظمة «هيومن رايتس ووتش» كشفت ركاكة النواحي الإجرائية القضائية المتبعة في الحرب ضد الجماعة، فحسب قولها إن النيابة في مصر اعتمدت في محاكمة 51 من «مؤيدي الإخوان المسلمين المزعومين» على شهادة رجل شرطة واحد، وإنها لم تقدم أدلة تذكر على قيام المتهمين بأي شيء سوى نشر أخبار عن اعتصام جماعي في ميدان رابعة العدوية في القاهرة عام 2013 وتنظيم احتجاجات سلمية.

ورغم تفاهة الأدلة وضآلتها فإن المحكمة قضت في القضية المذكورة يوم 11 نيسان/إبريل الماضي بإعدام 14 شخصاً من المتهمين فيما حكمت بالسجن المؤبد على 37 آخرين، وهو ما يظهر تبعية وارتهان القضاء المصري للقرار السياسي ويفقده المصداقية المفترضة فيه كمؤسسة، ولا عجب في ذلك، فقد تعرّضت مؤسسة القضاء بدورها، لحملة تطهير سياسية استهدفت القضاة الذين لا يستجيبون لأوامر السلطات الأمنية.

كل ذلك يعيد إلى الأذهان ذكريات سوداء حلم المصريون أنها انقضت ولن تستعاد، وكانت سبباً في كوارث سياسية هائلة لمصر وللمنطقة العربية والعالم.

كان المشهد الرمزي في حرب استهداف الإخوان المسلمين في القرن الماضي، المشابه لمشهد مرشد الإخوان بديع في زيّ الإعدام، هو المحاكمة التعسفية ومن ثم إعدام الكاتب والأديب سيد قطب عام 1966 (وهو من الذين تحمّسوا لثورة 1952، وكان ينتظر من عبد الناصر، وهو الذي كتب عشرات المقالات المدافعة عن حركته، أن يعرض عليه وزارة التعليم).

الحرب تلك أدّت بالنتيجة إلى تراجع كبير لأفكار الاعتدال الدعوية في تيارات الإسلام السياسي وساهمت في ظهور جماعات متطرّفة منها «الجماعة الإسلامية» و»التكفير والهجرة»، وأدخلت مصر والمنطقة العربية في دائرة سياسية مقفلة من القتل والموت والدمار لم تخرج منها حتى الآن.

والأمثولة الناجزة عن كل ذلك هي أن كل حرب إقصاء واستئصال وبطش تمارس ضد تيّار الإسلام السياسي المعتدل هي الطريق المثلى لتدمير أركان أي مجتمع أو سياسة أو اقتصاد، والأدلة على ذلك تكاد لا تحصيها العين في مشارق الأرض ومغاربها.

خطاب السلطات الأمنية المصرية حول جماعة الإخوان أنها حركة إرهابية تهدد مصر والعالم، ولكن مشهد بديع، على خلفية أحكام الإعدام بالمئات، يقدّم جماعة الإخوان كضحيّة لعسف وظلم رهيبين.

الإنجاز الأكبر الذي لا تنفكّ أجهزة وأنظمة البطش والأمن والاستبداد تستخدمه هو ضرب إمكانيات التعايش والتسامح والاعتدال في المجتمع والسياسة للإبقاء على مصالحها وامتيازاتها ومناهجها التي اعتادت عليها؛ وسبيلها في إقناع شعوبها والعالم بذلك هو إغلاق المنافذ على كل السياسة وتشجيع التوحّش والتطرّف والبطش (من الجهتين).

الاستبداد، بهذا المعنى، هو تكفير للآخر، يضطر معه المطاردون إلى تكفير معاكس، وبهذه الطريقة ينتعش حكم الاستبداد بردود الفعل المتطرّفة، فلا تقوم قائمة للواحد إلا بالآخر… غير أن الثمن الباهظ يقتطع من مستقبل الشعوب.