الأمّ

الأمّ

البراء كحيل

[email protected]

شمسٌ لا تغيبُ ونهرٌ لا ينضبُ وشجرةٌ دائمة الثمرِ لا تيبس، إنّها سفينة السّلام وشاطئ الأمان ومنبعِ الحنان، إنّها العطاءُ الذي لا ينقطعُ والحبُّ بلا مقابل... إنّها الأمُّ.

تنسلخُ صيحةُ الحياةِ من صرخة الألم حين تلدُ طفلها فيغدو لديها ذلك العذابُ الذي يعجزُ الرجالُ عن تحمُّله مُتعةً لذيذةً وسعادةً تأسرُ قلبها, فكيف بعذابٍ وألمٍ يُصبح مُتعةً وأملاً؟ فقط عندما تعانق عينُها عينَ وليدها القادم تَوّاً للحياة، وكأنَّ ذلك الحبلَ الذي ربطَ بينهما قد ربطَ بين قلبيهما وهو وإنْ تمَّ قطعهُ لكنّه باقٍ لا ينقطعُ عندَ الأمِّ.

الأمّ هي المُعلّم الذي لا يملُّ والمدرسةُ التي لا تغلقُ أبوابها والطبيبُ الذي لا يفارق مريضهُ، هي بلسمٌ للهموم وترياقٌ للجراح وحضنٌ يمنح الأمان وقلبٌ ينبضُ بالطمأنينة وصدرٌ يهبُ الراحة وعقلٌ يُعطي الحكمة وثَغرٌ يرسم السعادة وعينانِ تشّعان بالأملِ ووجهٌ باسمٌ يزرعُ الثقة ويُنير الطريق، إنّها عطاءٌ بلا ثمن وإيثارٌ ولو كان بها خصاصة.

إنّها ذلكَ الكوكبُ الفخمُ الذي خفقَ في سماءِ العالمِ، الأمُّ قصيدةُ البذل ولوحة الكرم وقصّةُ الحبِّ وروايةُ العطاء، القلبُ الذي ينبضُ في صدر غيرها، تجوعُ لنشبع وتسهر لننام وتتعبُ لننعمَ بالراحة، تمرضُ إنْ نزلَ بنا المرضُ وتضحكُ رغمَ ألمها إذا رأت البسمة على وجوهنا وتكفهرُّ إذا لمحت في أعيننا طرف حُزن، الأمُّ بشرٌ بثوب الملائكة فهي السراجُ المنيرُ الذي أوقدهُ اللهُ هدايةً لنا والنبع العذب الصافي الذي يروي عطشَ أولادها.

الأمُّ ذلك الثوبُ الطاهرُ الذي يمسحُ أدرانَ الحياة عن أجسادِ الأبناء، ذلك النهرُ المقدّسُ الذي يغتسلُ فيه الأولادُ ليتطهَّروا من ذنوبهم وآثامهم، ذلكَ الطريقُ السهلُ المُعبّدُ الذي يوصلُ إلى نعيم الدنيا والآخرة، هي ذلك البستانُ المليء بأجملِ الأزهار التي يتزيّن بها الأبناء، إنّها تلك الدعوات الصالحة التي لايُمكن أنْ تضلَّ طريقها لخير الأولاد، باختصار البيت بلا أمِّ هو قبرٌ موحش.

إنّهُ لمسكينٌ بائسٌ ذلك الذي فقدَ أمّهُ أو ابتعدَ عنها فلقد فقدَ أنْعَمَ وأطهرَ وسادةٍ يُمكنُ أنْ يُسندَ رأسهُ عليها ليبثّها همومهُ وأسراره وأحلامه وآماله وآلامه وأمانيه، إنّه قد فقدَ حبلاً ممدوداً للسماءِ يهبهُ ما يشاء وقتَ شاء، إنّه فاقدٌ للحنان والأمانِ والراحةِ والسكينة فهو لا ريبَ يعيشُ بلا قلبٍ ينبضُ في صدره!!.

الأمُّ هي صانعةُ الأجيال ومُربيةُ الرجال وهي مُستقبلُ الأمم المشرقِ وشمسها التي لا تغيب، هي تلكَ الشمعة التي تذوبُ لتنير الظلامَ لغيرها!!

أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فقال إنِّي أذنبتُ ذنباً عظيماً فهل لي من توبةٍ؟ فقال:هل لك أمٌّ؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالةٍ؟ قال: نعم، قال: فبِرَّها.