رحمةُ الإسْلامِ.. والشدةُ في القِتَالِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

د. حامد بن أحمد الرفاعي

في عام 1997م عَقِبَ بحثٍ قدمتُه عن سماحةِ الإسْلامِ ورحمةِ المسلمين..ابتدرني نيافةُ الكاردينالِ فرانسيس إرينزي/ رئيسُ المجلسِ البابويِّ للحوارِ بينَ الأديِّان-الفاتيكان قائلاً:منْ فضلِك كيفَ يُمكنُ التوفيقُ بينَ سماحةِ الإسلامِ ورحمةِ المسلمين وبينَ ما يقولُه الله تعالى لكم في القرآنُ:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ"وقول الله تعالى:"قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ"..؟قلتُ:بدايةً نؤكدُ لكم أنَّنا نُؤمنُ تمامَ الإيمانِ بهذه الآياتِ ونَعملُ بها وبغيرِها من الآياتِ التي تَشتركُ معَها بهذا النهجِ..ولا يحرجنا ذلك ولا يتناقض مع سماحة الإسلام ورحمة المسلمين للأسباب التالية:

الفهمُ الصحيحُ للنصِ القرآنيِّ لا يكونُ إلا في سياقِ النصوصِ التي تشتركُ معَه بنفسِ المجالِ والاختصاصِ.

والآياتُ ذاتُ الموضوعِ الواحدِ لا يتِّمُ فهمُا إلا في سياقِ التوجيهِ العامِ لآياتِ القرآنِ الكريمِ والسُنةِ النبويِّةِ.

و النصوصُ التي ذكرتَها من القرآن الكريم..تأتي في سياقِ النصوصِ المتعلقةِ بتعاليمِ وقيمِ الإسلام في  حالة الحرب وفي ساحاتِ القتالِ..وهنا أتساءلُ هل هُناكَ في العالمِ لائحةٌ عسكريةٌ واحدةٌ تقولُ للجُندِ في ساحاتِ القتالِ:أرموا أعداءَكم بالرياحينِ والزهورِ..؟أم أنَّها تأمرُهم بسحقِهم براجماتِ الصواريخِ وأسلحةِ الدمارِ الشاملِ..؟أمَّا خارج ساحات القتال والحرب فاسمع القرآن الكريم بمَا يأمرُ المُسلمينَ:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِين"بل الإسلامُ يأمرُ المسلمينَ في ساحاتِ القتالِ:ألا يَقتلوا شِيخاً أو امرأة أو طفلاً أو عابداً في صُومعتِه..وألا يَقلعوا شَجراً إلا لِضرورةٍ..وألاّ يُغوِّروا ماءً ولا يُتابعوا فارَّاً من معركةٍ..وألا يُجهزوا على جريحٍ..وألا يُمثِّلوا بأجسادِ مُوتى أعدائِهم..بل يَنبغي دفنُهم لأنَّ النفسَ البشريَّةَ مُكرَّمةٌ بالإسلامِ لذاتِها..فصَمتَ نِيافةُ الكاردينالِ ولمْ يُعقِّب..ثم استدرك فقال:هل هذا الفهم موضع اتفاق عند المسلمين..؟قلت:ما يقرره القرآن وتؤكده سنة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لا يختلف بشأنه المسلمون.