وما أكثر الناس ولو حرصت بعاقلين!!

د. موفق مصطفى السباعي

د. موفق مصطفى السباعي

[email protected]

اقتضت سنة الله تعالى في الأرض أن يخلق الناس على أشكال .. وألوان .. ولغات .. وأفهام .. وعقول مختلفة ومتنوعة .. بشكل يحار العقل البشري عن فهم سرها .. وإدراك كنهها .. واكتشاف حكمتها !!!

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ الحجرات آية 13

كما اقتضت سنة الله تعالى في البشر أن يكون معظمهم كافرين .. غافلين .. حمقى .. أغبياء .. جهلاء .. همل .. هوام يدبون على الأرض .. جل اهتماماتهم في الحياة ، هي التمتع بما لذ وطاب من الطعام .. والشراب .. والنساء .. واللهاث وراء الشهوات أينما كانت .. واصطيادها بكل الطرق !!!

وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ يوسف 103

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنًۭا ۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَ‌ ٰتٍ فاطر 8

وهذا ليس حكماً جبرياً .. أو إكراهياً كي يكونوا كافرين .. غافلين !!!

فالله تعالى خلق الإنسان حراً .. فمن شاء فليؤمن .. ومن شاء فليكفر .. وفتح له الأبواب على مصراعيها .

فالذي يريد أن يلج طريق الإيمان .. والتعقل .. والتبصر .. فالباب مفتوح .

والذي بأبى إلا أن يسلك طريق الكفر .. والغفلة .. والركون إلى متاع الدنيا .. فالباب مفتوح أيضاً .

إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًۭا وَإِمَّا كَفُورًا الإنسان 3

وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِۦ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلْءَاخِرَةِ نُؤْتِهِۦ مِنْهَا ۚ آل عمران 145

ولكن طبيعة البشر تميل إلى الكفر .. والشرك .. والتعلق بالخرافات .. وتصديق الخزعبلات لأنه طريق سهل .. يسير .. يسيطر عليه الشيطان .. فيدفعهم إليه دفعاً .. مزيناً .. ومجملاً لهم سلوكه !!!

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍۢ فَأَبَىٰٓ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورًۭا الإسراء 89

وكذلك جرت سنة رب العامين بجعل الناس يتراكضون .. ويتدافعون .. ويتناطحون .. ويتسابقون إلى النهل من الشهوات حتى الثمالة .. ليكون مصيرهم في الآخرة عذاب السعير !!!

مَتَـٰعٌۭ قَلِيلٌۭ ثُمَّ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ آل عمران آية 197 

ومهما حاول الإنسان العاقل .. الصالح .. ومهما بذل المصلحون من جهد لهداية الناس .. وإرشادهم إلى طريق الخير .. والصواب .. والفلاح .. وتوعيتهم .. وإنارة بصيرتهم .. ورفع شأنهم .. وتقوية عزيمتهم . . والأخذ بأيديهم إلى قمم العلو .. والسمو .

فإن القليل .. القليل الذين يستجيبون . . ويتفاعلون .. ويقبلون الإرتفاع عن الطين .. والتراب .. والتحليق في أجواز الفضاء بأرواحهم .. وعقولهم .. والنظر إلى أحداث الدنيا من علٍ .. وإدراك كنه الأحداث !!!

أما غالبية البشر فإنهم يركنون إلى الملذات .. والشهوات .. ويخلدون إلى الأرض .. ويلتصقون بطينها .. وترابها .. وعفنها .. فتجذبهم روائحها النتنة .. وتأسرهم مغرياتها .. وتكبلهم بقيودها .. وسلاسلها .. فينظرون إلى الأحداث الجارية على الأرض .. نظرة دونية .. ولا يرون إلا ما يراه أسيادهم .. ومعلموهم ، دون أي تبصر ، أو تفكير !!!

كما قال فرعون القديم :

قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ غافر آية 29

ولكن ما الحكمة الإلهية وراء جعل معظم البشر هملاً .. غافلين .. بينما فئة قليلة جداً هي المؤمنة .. الواعية .. العاقلة .. الحكيمة ؟؟؟!!!

إننا نستطيع أن نستشف شيئاً منها وهو :

أن الله تعالى يريد أن يُبين للبشر أن طريق الإيمان .. يتجه نحو السماء .. وهو طريق نفيس .. وغالٍ جداً .. وموصول بالجنة .. ولا يسلكه إلا النخبة من البشر الذين يقاومون جاذبية الطين .. والتراب .. ويرتفعون بأرواحهم محلقين نحو السماء .. ويطؤون بأقدامهم حبائل الشيطان .. ويحطمون أصنامه .. وأوثانه التي يزرعها في طرقات الأرض جميعاً .

إنه يريد سبحانه وتعالى ، أن يغرس في نفوس البشر ، أن طريق الصعود إلى السماء ، وتسلق الجبال الشاهقة ، للوصول إلى القمة ، مفتوح لكل الناس ، لكنه غير سهل ، ولا يسير ، بل يحتاج إلى جهد ، ومعاناة ، ومكابدة المشاق ، وتحمل اللأواء ، ومقاومة مغريات الراحة ، والسكون التي يألفها ، ويركن إليها معظم البشر .

ولذلك جاء في صحيح مسلم :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ .

وقال الشاعر التونسي المشهور أبو القاسم الشابي :

ومن يتهيب صعود الجبال ........يعش أبد الدهر بين الحفر !

ويريد سبحانه وتعالى أن يرسخ في أذهان الناس :

أن الجنة غالية .. نفيسة .. ثمينة ، وأن ثمنها أيضاً غالٍ !

إنه بذل الدم .. والروح .. والنفس .. والمال .. ومقارعة الطواغيت .. ومصارعة الشيطان الذي لا يريد للإنسان إلا الضلال .

وبذلك تكون تلك الصفوة المختارة من البشر ، هي النجوم الزاهرة ، اللامعة ، المنيرة في سماء هذه الدنيا القاحلة !!!

وهي الوحيدة التي تدرك ، وتعقل كنه الأحداث الجارية على سطح الأرض حقيقة ، ولا تؤثر فيها الوسائل الإعلامية الشيطانية !

وخير مثال على ذلك الإدراك هو :

ما أطلقته أمريكا وتوابعها : سلسلة المفاوضات مع إيران من أجل تحجيم المشروع النووي !!!

كلها أكاذيب .. وأساطير .. وخرافات لا يؤمن بها .. ولا يصدقها إلا البلهاء .. ولو كانوا أساطين السياسة .. وأساتذة التحليل السياسي !!!

فهم لا يعقلون شيئاً .. ولا يهتدون سبيلاً . . لأنهم ينظرون من الأرض فقط !!!

وسنتحدث إن شاء الله في مقالة مستقلة عن أكذوبة السلاح النووي الفارسي .