مقدمة السلاطين والخلفاء العثمانيين

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد الله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه الأخيار الأبرار، وعلى التابعين وتابعيهم إلى يوم الدين وبعد:

هذه لمحة بسيطة عن الخلافة العثمانية التي هي الامتداد الطبيعي للقمة السامقة العالية للخلافة الراشدة ، والتي حاولت جاهدة  أن تنسج من نفسها على منوالها، وأن تصل إلى ما وصل اليه الراشدون، أو تقترب منهم، وكان بينهما، الخلافتين العباسية والأموية مع الفارق لهذه الخلافات عن تلك التي أنشأها وصنعها القائد الأعظم الحبيب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: (  تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً عاضًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً جبريًا فيكون ما شاء الله تعالى أن يكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة ) ثم سكت، صدق رسول الله صلى الله وعليه وسلم .

يقول تعالى : (وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) و هكذا مضت سنة الله في الأرض، فبعد انقضاء فترة منهاج النبوة ولمدة ثلاثين عاماً على يد أعظم ثلة ظهرت في دنيا العقيدة والإيمان والإخلاص والتفاني، والبعد عن حب الذات والتطبيق الصارم لأحكام الله واختيارهم لأوليائهم بالشورى التي أمر الله بها (وأمرهم شورى بينهم) والتي أرست من خلالها دستور الرحمة والعدل والمساواة والتعامل مع الآخر، ثم شاء الله أن يرفعها ليحل مكانها الملك العاض التوارثي الأموي الذي حاول الوصول في كثير من أحيانه إلى ما كان عليه جيل النبوة، وحاول الاقتراب منه ومن هديه ، نجح حيناً وفشل حيناً آخر، ولكن عندما طال عليه الأمد -وكما نعلم أنّ الماء الراكد يفسد-  كان في آخر عهده فساداً وتولية عن منهج الله فاستبدلهم الله بمن هم خير من آخرهم بالدولة العباسية فانتعشت الحياة من جديد، وعاد للإسلام مجده الذي كان عليه الأولين، ولكن طال على هؤلاء الزمن دون أن يُطوّروا أنفسهم ففترت همتهم وقلت عزيمتهم وأصابهم الغرور والخور ،والابتعاد عن المنهج القويم ، فاستبدلهم الله بقومٍ يحبهم الله ويحبونه ويحبون قرآنه مع أنهم لا يتكلمون بلغة العرب، ولكنهم يدينون بالولاء لله الواحد القهار دون سواه

فأتىالله بهم من أقاصي الدنيا (جنوب الصين) وهيئ لهم الظروف ليوجههم غرباً، والأسباب ليمكن لهم في الأرض ولتؤسس على يد عظيمهم عثمان بن أرطغرل بن سليمان الذي أراه الله في المنام عندما أراد أن يتزوج ابنة الشيخ الصالح ما يدل على أن الذي سيجري على ذريته المعجزة التي وعد بها النبي (صلى و عليه و سلم) بقوله :(ستفتح القسطنطينية فنعم القائد قائدها ونعم الجيش ذلك الجيش) وتحققت بشارة النبي (صلى الله و عليه و سلم) على يد حفيده السادس أبو الفتح محمد الفاتح ، وليبنى على أياديهم أعظم حضارة ظهرت على وجه الأرض بعد حضارات الإسلام الأولى ولتتسع دولة الإسلام وتحكم أكثر من ثلثي الأرض بالعدل في ذلك الحين من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً ومن الروسيا شمالاً إلى أقاصي الجنوب في آسيا وأفريقيا ،ولتصبح ملكة البحار أجمع دون منازع ،و تصبح القوة العظمى الوحيدة في ذلك الحين، وما كان الملوك الآخرين من الإفرنج الظالمين لشعوبهم بالنسبة لهم إلا كولاة الأمصار أو التابعين لهم، فتضغض عليهم لإقامة العدالة عندهم  حيناً ، وتجتاحهم حيناً عندما تطلب الشعوب من هذه الدولة ذلك ، وما كان للعثمانيين ذلك إلا بعدما أخذوا على عاتقهم نداء الله الاستخلاف في الأرض وبناءها الذي كان على منهاج الله، وسنة رسوله (صلى الله و عليه و سلم) ،وعملت جاهدة على التأسّي بذلك ،فأخذت تبني الإنسان أولاً، تسلحه بالعلم و المعرفة وتربطه بخالقه سبحانه وتعالى، وأنشأت لأجل ذلك المعاهد و المصانع والمختبرات، وقامت على صناعة السلاح الناري وهي أول من صنع المتفجرات والمنجنيقات والمدافع وغير ذلك لتدك بها أسوار القسطنطينية المنيعة التي ما كان فتحها صدفة بل عن تخطيط وإرادة وعزيمة وتوكل على الله ،حتى تحقق على يديها الوعد الإلاهي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :(ستفتح القسطنطينية فنعم القائد قائدها ونعم الجيش ذلك الجيش)

وللعلم فقد كان  هناك ست حملات سابقة لفتح القسطنطينية وكان أخرها على عهد هارون الرشيد ولكن لم يكتب لهم التوفيق وشاء الله سبحانه أن يمنح شرف هذا الفتح المُبين لهذه الثلة المؤمنة ، التي استمرت تنشرالعلم والمعرفة في الأرض على مدار ستة قرون ثمّ أصابها الاعياء بعد امتداد الأمد  والتآمر عليها فتراجعت وتقدم غيرها، وبدلاً من أن تراجع نفسها وتعرف مواضع الخلل فيها ، بدأ بعض حكامها بالانبهار بالغرب بالإتباع حيناً وبالتقليد حيناً آخر ، وبدأت تتأرجح ما بين هبوط وصعود حتى كُتبت نهايتها نتيجة غفلتها وابتعادها عن الله عز وجل وهي إلى وقت قريب كانت عملاق الإسلام العظيم وكانت أيضاً كأحد الدول الكبرى في الأرض وكانت واحدة من ثمانية دول تحكم هذا العالم في عهدها الأخير، فتفرقت قوتها وذهبت ريحها ، وجاء اليها زعماء طغاة  بقوة السلاح ، فرقوا بين الأمم ومزقوا أواصرها ،فأصبحت شعوبنا وأوطاننا بعدها أقزامًا وأتباعاً وأزلاماً لهذا وذاك، للشرق حيناً وللغرب أحياناً، ولا وجود لنا، ولا كيان ولا راحة، وأصبحنا عالة على غيرنا نمد اليهم أيادينا للمساعدة، ولا حول ولا قوة الله بالله.

وفي الختام لفتة أخيرة بعد طول ظلام ، هل آن الأوان لظهور عهد منهاج النبوة كما جاء في الحديث بعد الجولة الطويلة والصعبة من الحكم العضوض والملك الجبري، قد يكون .. ولكن الذي لا نشك فيه أنه سيكون، ولكن ياتُرى هل سيكون جيلنا هو صاحب هذه الإرهاصات والمقدمات؟ نرجو الله ذلك ..  وإليكم تاريخ خلفاء وسلاطين العثمانيون بإيجاز.