موقف النبي من الشعر والشعراء

موقف النبي – صلي الله عليه وسلم –

من الشعر والشعراء

د. بدر عبد الحميد هميسه

[email protected]

جاءت تعاليم الإسلام لترفع من المستوي العقلي والفكري للمسلم, وتجعله يتذوق الجمال ,ويعبر عنه في أسلوب متأنق راق . والشعر وسيلة من تلك الوسائل المهمة التي تبرز مشاعر الإنسان النبيلة , وتعبر عن مستواه الفكري العميق , والإسلام كدين شامل كامل – لا يصادر الشعر إذا كان هذا هدفه ومبتغاة , والنبي – صلي الله عليه وسلم- هو القدوة والنموذج الرفيع في ذلك , فقد شجع علي قول الشعر وجعله أسلوباً من أساليب الدعوة إلي الإسلام , وإلي المثل الرفيعة .

1-   النبي –صلي الله عليه وسلم –يحض علي قول الشعر :

حينما حاربت قريش الرسول –صلي الله عليه وسلم – ودعوته  بشعرها وألسنتها وسلاحها , لم يكن هناك بد من أن يحاربها بمثل وسائلها , فحض المسلمين علي قول الشعر المنافح  عن الحق ,المكافح ضد الضلال والشرك , المدافع عن الدين والخلق والعرض . فندب – صلي الله عليه وسلم – شعراء الإسلام  لذلك وحثهم عليه بأساليب متعددة , فقد كان يقول لحسان بن ثابت : " يا حسان اهجهم وروح القدس يؤيدك " فهم الذين بدأوا بهجاء النبي صلي الله عليه وسلم – الطعن عليه , وبدأ حسان في الدفاع عن بني الإسلام ودعوته ,فقال النبي  صلي الله عليه وسلم - : " لهذا الشعر أشد عليهم من وقع النبل " وقال : " أمرت كعب بن مالك فقال وأحسن , وأمرت حسان بن ثابت فشفي واستشفي ".

 وكان –صلي الله عليه وسلم – وأحيانا يحرص الشاعر فيذكره بكلمة من شعره ,فقد روي أنه لما علم بهجاء أبي سفيان بن الحارث له , قام عبد الله بن روحه يستأذن النبي في الرد عليه , فقال له : أنت الذي تقول فثبت الله ؟ قال : نعم يا رسول الله  أنا الذي أقول :

فثبت الله ما آتاك من حسن                تثبيت موسي ونصرا كالذي نصروا

فقال رسول الله : وأنت فعل الله بك مثل ذلك , فؤثب كعب بن مالك وقال : يارسول الله ائذن لي ,فقال : أنت الذي تقول : هممت سخينة ؟ قال : نعم أنا الذي أقول :

هممت سخينة أن تغالب ربها                      وليغلبن مغالب الغلاب

فقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم – إن الله لم ينس لك ذلك . وهكذا كان النبي –صلي الله عليه وسلم – يشجع الشعراء علي قول الشعر طالما كان هدفه نصرة الحق , إعلاء منهج الله في الأرض .

2 – النبي – صلي الله عليه وسلم –يجب سماع الشعر:

استمع النبي – صلي الله عليه وسلم – إلي الشعر , وأعجب به , بله وشجع الشعراء عليه مادام موافقاً للحق , مقارباً للصواب وقدروي في ذلك أنه استمع للأبيات التي أولها :

 وحى ذوي الأضفان تب قلوبهم                 تحيتك الحسنى فقد ترفع النعلُ

فقال :" إن من الشعر لحكمة وإن من البيات لسحرا " ولقد قال لعبد الله بن رواحه ذات يوم : قل شعرا تقتضيه الساعة أنا أنظر إليك فقال عبد الله :

إني تفرست فيك الخير أعرفه             والله يعلم أني ماخاننى البصر

أنت النبي ومن يحرم شفاعته                    يوم الحساب فقد أزري به القدر

فثبت الله ماأتاك من حسن                        تثبيت موسي ونصرا كالذي نصروا

فقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم - : " وأنت فثبتك الله ياابن رواحه ".

ولقد كان – صلي الله عليه وسلم – يستنشد الغناء ويشجعها ويقول :

هيه ياخناس فتنشده , ولاننسي موقفه من كعب بن زهير الذي جاءه تائباً معتذراً , ومعلناً إسلامه فأنشده قصيدته الشهيرة "بانت سعاد " فكانت سبباً في عفو النبي –صلي الله عليه وسلم – عنه ,بل  كساه بردته الشريفة , ووهبه مئة من الإبل .

3- النبي –صلي الله عليه وسلم – ينتقد الشعراء :

كان النبي – عليه الصلاة والسلام – يستنكر علي الشعراء شعر المجون والخلاعة , الشعر الذي هدفه إثارة الغرائز ,وجرح الأغراض , وإثارة الأحقاد , فالشعر كلام حسنه حسن وقبيحة قبيح , والله عزوجل – قد استثني الصالحين من الشعراء فقال – عزوجل - : " وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) سورة الشعراء .

ولقد حفظ النبي – صلي الله عليه وسلم – بعض مايقوله الشعراء .

وكان يصححه وينتقده , فلقد مر ببعض طرق مكة ومعه أبو بكر الصديق فسمع من ينشد :

ياأيها الرجل المحول رحله                     هلا نزلت بآل عبد الدار

فقال الرسول : ياأبابكر , أهكذا قال الشاعر ؟ فقال لا يارسول الله . ولكنه قال:

ياأيها الرجل المحول رحله                      هلا نزلت بآل عبد مناف

وهكذا كان النبي – صلي اله عليه وسلم – خير قدوة ومثل للمسلم الذي يلتزم منهج ربه , ولا يقف ضد أحاسيس الإنسان ومشاعره الطاهرة النبيلة .

المراجع :

1-العقد الفريد لابن  عبد ربه 5/294.

2-الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ص 900.

3-سيرة بن هشام 20/328.

4-نهاية الأرب للنويري 18/26.

5-ودلائل الإعجاز للجرجاني 17.

6-المزهر للسيوطي 2/291.

7- العمدة لابن رشيق 1/7.