وادي رم: أهلاً بكم إلى عجيبة الدنيا الثامنة

وادي رم:

أهلاً بكم إلى عجيبة الدنيا الثامنة

عبد الكريم حمودي

فتنة المكان تجبر الزائرين على خلع همومهم وإلقائها في مكان سحيق للاستمتاع بروعة الوادي وسحره الأخاذ.

وادي رم (جنوب الأردن)

ينتابك شعور غريب وأنت تسير عبر الممرات الرملية، وبين الصخور الضخمة، باتجاه وادي رم، إحدى رؤوس المثلث السياحي الذهبي الأردني، في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، الذي يطلق عليه اسم "عجيبة الدنيا الثامنة". فما أن تقترب من المنطقة، التي تبلغ مساحتها 176 كم2 حتى تجد نفسك وكأنك في عالم غريب، ومنطقة لا تشبهها أي منطقة أخرى في العالم الفسيح.

بدأنا الرحلة قبل الغروب بنحو ساعة في سيارات خاصة، لعبور الممرات الرملية، ونحن نسير عبر هذه الممرات، بدا كل شيء في المنطقة مثيراً للدهشة والاستغراب، فالكتل الصخرية الضخمة والمتوسطة، وحتى الصغيرة، وما تحمله من أشكال غربية ونقوش، ربما تكون بفعل الحت الرملي، أو بفعل أمواج بحرية قديمة، كانت تغمر المنطقة، حتى ليخيل إليك أنها عبارة عن لوحات فنية، شكلت بأيدي أبدع الفنانين، فيما الرمال الحمراء الناعمة النظيفة ترسم على الأرض لوحات تشكيلية رائعة، والنباتات الغريبة الأشكال والأنواع، تحاول أن تتمسك برمال الأرض، رغم الظروف القاسية، وحتى تلك التي ماتت، بسبب قلة الأمطار، مازالت تتمسك بالأرض، وتقاوم عوامل الفناء.

ومع اقتراب الشمس من المغيب توقف موكبنا قرب إحدى الهضاب المنتهية بصخرة ضخمة، وما إن نزلنا من السيارات حتى بدأت تلامس وجوهنا نسمات عليلة، برقة وعذوبة بديعة ساحرة، تحاول أن تغسل عنا عناء التعب والحر والسفر، فيما تحرك هذه النسمات حبات الرمل الأحمر، على الأرض، بكل تحنان، تنقلها من مكان إلى آخر.

وبينما نعيش هذه اللحظات الرائعة، ونجول بنواظرنا في أرجائها، نبهنا أحد الزملاء إلى الشمس، التي بدأت تعانق الأفق البعيد، وترسل خيوط أشعتها الواهنة، من وراء الصخور الغريبة، في منظر يأخذ بالألباب، وما هي إلا لحظات حتى انقطعت آخر خيوط الشمس، التي كانت تتسل من بين الصخور، ليمتد عبر الأفق الغربي شفق أحمر، يوحي بخجل الأفق، من تركنا لوحدنا، في هذا الوادي العجيب.

بعد الغروب سادت لحظات من الصمت لف المكان، فيما بدت نسمات الهواء الرقيقة أكثر برودة، بعد أن تخلصت من أشعة الشمس الذهبية، التي تبدد شفقها أيضاً إلى أن قطعها صوت أحد المرافقين ينادي علينا بالتحرك إلى المخيم المقام على بعد عدة كيلومترات من موقعنا، وما إن هممنا بالتحرك، حتى بدأت أقدامنا ثقيلة وهي تغوص في الرمال الحمراء الناعمة، وكأنها ترجونا ألا نغادر المكان.

ومع ركوبنا السيارات، التي بدأت تتلمس طريقها عبر ممراتها السابقة في الرمال، بدأت خيوط الظلام تنسج شباكها على المنطقة، وتغير منظر الصخور، لترسم أمام ناظريك أشكالاً غريبة، ربما تعكس مخاوفك من المكان، فيما القمر الجميل يحاول تبديد خيوط الظلام في هذا الجو المرتعش الساكن.

ورويداً رويداً وبينما السيارة تمضي باتجاه المخيم، بدت الأرض وكأنها تقترب من السماء، وقد التبس علينا الأمر، ونحن نشاهد أمامنا النجوم، وكأنها تستريح على الصخور الضخمة، فيما هي شموع وضعت في أكياس رملية، حتى بدت مثل قناديل معلقة في الفضاء، وكأنها امتداد للسماء، التي أخذت نجومها تتزايد لمعاناً والقمر تألقاً.

وأمام إحدى السلاسل الصخرية، التي تغسل أقدامها بالرمال، أقيم مخيم جميل، حددت أسواره بأضواء الشموع الموضوعة في أكياس رملية، وفي وسطه أشعل موقد للنار، فيما القمر القريب يلقى بضوئه الخافت على هذا الوادي الجميل، الذي أخـذ اسمه منه إنـه "وادي القـمر".

المنظر أخاذ، والجو ساحر، والهواء منعش وعذب، والهدوء ينقلك إلى فضاءات لم تشعر بها من قبل أبداً.. لحظات عشناها هناك في وادي القمر، وفي ضيافة رجال أعزاء كرماء، يذكروك بالعربي الأصيل، الذي قرأنا عنه في كتب التاريخ .. تمنينا أن تستمر الجلسة طويلاً وطويلاً.. لأنها تنقلك بعيداً عن أجواء الحياة الصاخبة، وتعقيداتها المتعبة.. لكن لا بد من العودة مع اقتراب موعدها..

حقاً إن "وادي رم" أعجوبة من أعاجيب الدنيا، بكل معنى الكلمة.. لن تشعر بما شعرنا به مهما قرأت عنها، أو شاهدت صورها من بعيد، فإذا أردت أن تسير على قاع المحيط بكل تفاصليه المثيرة، باستثناء الماء المالح، فما عليك إلا الذهاب إلى وادي رم.. إنه بحر لجي بدون ماء، كما يؤكد خبراء الجيولوجيا وعلوم البحار، وأصحاب المنطقة وسكانها أيضاً.