الحرية بين الجنون والعقل

محمود المسعدي

عمر جلاب

[email protected]

قال الرجل يوما:" مقدار من الجنون لا بد منه من أجل مقدار من الحرية."

على رافدي الجنون والحرية ألقاكم أحبتي ، لنبحر من غير شراع ولا قارب على أمواج يتهالك فيها العقل ويتعرى من كل طقوس الحد، ليعانق شمس الحرية...ولو بعض حرية في زمن طال فيه الجنون...ولم تنل بعد  الحرية.

ذلكم قول رجل طاف به عقله ليصل إلى مقولة كانت له وحده...إنه الأديب التونسي المسعدي.

في قرية تازركة ولد المسعدي، وفي كتابها أتم حفظ القرآن الكريم. درس المسعدي في المعهد الصادقي الذي تخرج منه سنة 1933م ليلتحق بعدها بجامعة السربون لدراسة الأدب العربي إلى أن تخرج منها سنة 1936م.

وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد حصدت أرواحا بشرية، فإن نيرانها أتت على بنات أفكار أديبنا،

وحرمته مواصلة مشوار رحلته البحثي.

 فمدرسة أبي نواس الشعرية لم يصمد بنيانها أمام رواعد القصف. أما الإيقاع في السجع العربي فقد سمع جميل صوته بعد أن سكت صوت القنابل، حيث نشر العمل باللغتين العربية والفرنسية.

 رغم قساوة الحرب ووعورة الدرب، فقد  كلل النشاط العلمي للأديب بالتدريس في كل من البلدين: تونس وفرنسا.

كان الأديب إلى أدبه سياسيا، مارس مسؤوليات في وزارة التعليم، كما كان ناشطا في نقابة المعلمين، حيث تولى بعد الاستقلال وزارة التربية القومية.

لقد كانت للمسعدي اليد البيضاء في تأسيس الجامعة التونسية، كما كان له الفضل في إقرار مجانية التعليم لأبناء الخضراء . هذا المشوار عززه الأديب بتوليه مسؤولية وزارة الشؤون الثقافية.

  إن سنام هذا الزخم السياسي للرجل توليه رئاسة مجلس النواب. فبعد صولات الرجل وجولاته في ساحات الفكر والأدب ببلده، انفتحت له مغاليق  اليونسكو والإلسكو ، ودلف مجمع اللغة العربية بزاده المعرفي الغزير. لقد أشرف  أديبنا على كل من مجلة المباحث ومجلة الحياة الثقافية.

كانت حياة الرجل مزيجا بين الأصالة والمعاصرة، مزاوجة بين الشرق والغرب، معادلة طرفاها تونس وفرنسا...

فهل حقق بعض الجنون بعض حل لمعادلة الشرق والغرب؟

لكم أن تبحثوا عن الإجابات الصعبة الهضم في أسفار الأديب.

غادر الرجل الحياة ذات 2004م، والعالم يمور جنونا لم تتحقق منه بعض نتف من حرية...في انتظار حرية...

خلف الرجل أعمالا عميقة عمق فلسفته منها: حدث أبو هريرة قال، السد، مولد النسيان، تأصيلا لكيان، من أيام عمران.

إن أعمال المسعدي جديرة بالقراءة الواعية المركزة، ولا سيما عمله الموسوم بالسد الذي قال عنه الدكتور طه حسين:" إنها قصة تمثيلية، ولكنها غريبة كل الغرابة كتبها صاحبها لتقرأ لا لتمثل، ولتقرأ قراءة فيها الكثير من التفكير[...] وحسبك أني قرأتها مرتين، ثم احتجت أن أعيد النظر فيها  قبل أن أملي هذا الحديث."

سد المسعدي وحد العقل.

السد، عنوان لرواية مسرحية، أوقل هي مسرحية في ثوب رواية. هي صياغة جديدة لأسطورة سيزيف الإغريقية، ولكن بلبوس عربي.

أبطالها غيلان وميمونة، يشاركهما بغل وذئب وواد وجبل وأطياف. ضمن هذا الديكور تشارك ميارى وهي طيف امرأة.

إنه مسار مشروع بناء سد سداه غيلان وميمونة في بدايته، وديكوره عالم أعجم. بيد أن هذا المشروع الذي كان ماء الحياة محركه والسد وعاءه عرف نكوصا لما سرى الملل في عروق ميمونة فخذلت غيلان.

سلوى غيلان  كان ميارى التي كانت تنفث فيه من روح المعاودة ما كان دافعا له لمواصلة دحرجة الصخرة إلى أعلى كلما انحدرت، على غرار صخرة سيزيف.

مصير السد حيرة تتدلى حينا إلى أسفل قعر اليأس، وترتفع شم الأمل حينا آخر. فهي معلقة إلى حين أن تتحقق بعض أحلام المسعدي على مسرح الحياة.

إلى قراءة أدبية أخرى، أترككم مع نقب سد، لعل يكون فيه بعض حياة لقلوب هدها الاستعباد.