في عيونك بسمة

سالم الزائدي

[email protected]

هل الاعتذار منقصة؟ هل الاعتراف بالخطأ أو التقصير يقلل من شأن الإنسان؟ لماذا الإصرار على ذنب مع علمنا أنه يقود الإنسان إلى السقوط أمام الآخرين؟ هل ثقافة العفو تساعدنا على التخلص من أمراض القلب والجسد؟ هل ثقافة العفو تساعد في صناعة إنسان حضاري؟ هل ثقافة العفو تساعد على نشر الوعي واليقظة والصدق والأمانة؟ لماذا تفشل أغلب صداقاتنا وشراكاتنا؟ لماذا لم نتعلم حتى الآن فن حل الخلاف وفض النزاعات؟ 

سُئل رجل عمره ثمانين سنة عن سر نجاح حياته الزوجية مع زوجته وهي تقريباً بنفس عمره، فأجاب بكلمتين هي "شكراً وعفواً" فعندما تنجز له زوجته عملاً ما يبادرها بالشكر، وعندما يرتكب بحقها خطأ ما يبادرها بالعفو فهكذا عرًّف سر السعادة.

في عيونك بسمة عندما يتسع قلبك لثقافة العفو وينابيعه، وفي عيونك بسمة عندما تتذوق العفو وترتقي إلى مرتبة الإحسان فتعفو عن من ظلمك.

عندما تكون في البلاد الغربية وتنبه أحداً ما إلى خطأ فإنه يعتذر لك ويشكرك لأنه يعتبر تنبيهك له خدمة كبيرة ودليل حرصك على مصلحته الشخصية على عكس ما يحدث في مجتمعاتنا. ونُذكر هنا بحادثة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في قضية مونيكا لوينسكي التي اعتذر فيها للشعب الأمريكي كونها قضية أخلاقية .. فما بال مجتمعنا العربي غافل عن الفوائد الكثيرة التي يتيحها العفو للإنسان من خلال التسامح مع نفسه ومع غيره. 

ما نسعى ونطمح إليه هو مجتمع ناجح يقوم في علاقاته على أساس العفو والحلم المتبادل بين أبنائه وبين الحاكم والمحكوم كما يكون قادراً على استيعاب الخطأ وهضم التقصير من أجل الصالح العام. كما لا بد أن نشير الى أن العفو في الإسلام ليس فرضاً ولكنه مستحب ومرغوب به لذلك نسعى إلى نشر التسامح وتعميق ثقافة العفو.

جرت حادثة في السودان، حيث اقتحم فيها بعضهم فندقاً وقتلوا نزلاء من الانجليز، ولأن الحكومة السودانية تطبق الشريعة الإسلامية أرجعت أمر القصاص أو العفو إلى أولياء القتلى من الانجليز.. فما كان منهم إلا أن عفو عنهم. فالأمر إذن يعود إلى الثقافة وليس إلى الشريعة، ونحن إذا أردنا أن نتدخل هنا علينا أن نتدخل في الثقافة لا أن نتدخل في أصل الحكم.

كثير منا على اختلاف المناصب والمسميات تحول الخطأ عنده إلى منهج، وأحياناً إلى عملية مبرمجة تعتمد القوة المفرطة والأجهزة البوليسية والأمنية والتمييز والتضليل وهدر المال العام في حين أن القوة تعني سمو الأخلاق أولاً والإيمان بالحق ثانياً.

إننا على يقين أنه ليس بيننا من هو معصوم عن الخطأ ولكن ليس كل خطأ يعالج بالقوة والعنف والقطيعة كما كلنا يعلم بأن إشاعة ثقافة العفو تساعد على الحوار وقبول الآخر وتساعد على إسقاط الضغائن بيننا كما قال (صلى الله عليه وسلم) " تعافوا تسقط الضغائن بينكم" . ويخطأ من يتصور بأن العفو مذلة ولا ننسى أن ثقافة العفو تساعد على ستر عيوبنا عند الغضب التي لا يسلم منها أحد فالحلم غطاء ساتر والعقل حسام قاطع كما أن انسجام القول والسلوك هو الذي يحقق الثقة وينشر الأمن.

وبما أن الانتقام وحش أعمى لا يعرف طريقاً وأن الإصرار هو شعار الجميع في استرداد حقوقهم فلا بد للعفو أن يكون ملكة في شخصيتنا لأن الثأر يظل رغبة في عدالة مستحيلة، والخلاص الممكن من الوضعية التي يستحيل فيها الرجوع إلى الوراء  تتحقق عبر ملكة ثقافة العفو.

يبدو أن فشلا ًما في جهازنا الأخلاقي وفي تقنيات السلطة وآليات القانون التي طوّرها الإنسان إلى حد الآن، لم تفلح في إرساء الحديث الرباني الرائع في اتخاذ العفو والتسامح منهجاً في حياتنا. لقد أكد الإسلام على ثقافة العفو في الكثير من النصوص القرآنية كما في السيرة النبوية ففي الآية "أن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً" وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة ؟ العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك.

ويقول الشاعر فرج أبو الجود في قصيدته يا صاحبي:

لا شيء في هذى البلاد يسرني              لا شيء غير الحقد والأضغـــانِ

الأمن فيها كالغــــــريب إذا مشى               مستخفياً والخـــــــوف كالســــلطانِ

ودمــــــــــــــاء كل الآمنين مباحةٌ         والمـــــال منهبـــــــةٌ لكـــــــــل جبــــــانِ

لا عيش فيهــــا للذين تورعــــــوا                 القانعين براحــــــــة الوجـــــــدانِ

أبكي عليها والدمــــــــوع تزيدني                 بلهيبها حــــــزناً على أحــــزاني

وأصيح يا رب السماوات العــــــلا              الطف بنا بالصفــــــح والغفـــــرانِ

وافتــــــح لنا فتحـــــاً يريح قلوبنا          ويعيـــــدنا للأمن والإيمـــــــــــانِ