دعوة إلى التقويم

  قوِّمونا بالحق

ولا تحاربونا بالزيف

زهير سالم*

[email protected]

قديمة الحكمة التي تقول: عدو عاقل خير من صديق جاهل. ومثلها تلك التي تقول: رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي، ويصادرهما قول القائل:

ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل ..

 يعتقد القائمون على تجربة العمل الإسلامي المعاصر في مضاميرها: الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أن تجربتهم بشرية. وهي بهذا الاعتبار تجربة غير معصومة. وهم في حركتهم وسيرهم حريصون دائماً على التلفت خلفهم والتبصر أمامهم لإدراك موقع خطأ إن كان، وليبحثوا بالتالي عن طريق أفضل للخروج منه. وتلافي ما أحدثه ويحدثه في تجربتهم من خلل.

 وهم ـ من غير ادعاء المثالية ـ لا يعدمون عقلاء يتأملون كلام ناقد، وقديماً قالوا (الناقد بصير) ليتفحصوا مورد الحق أو الصواب فيه.

 وفي جديلة الخطأ والصواب هذه، لا تعدم الساحة أناساً أصحاب شنآن يتربصون بالتجربة الإسلامية وبأصحابها. ويحاولون دائماً الكيد لهم، والتحريض عليهم. ورميهم بالكثير من الاتهامات، وتحليل تجربتهم في منطلقها الرباني أو في لبوسها البشري، بمايعبر عن سوء قصد، وضيق صدر. يخطفون الخِطفة فعل نظرائهم من شياطين الجن من أفواه المتحدثين، أو العنوان من مواقف السالكين؛ ليجعلوا من حبة عقيم قبة ومن القبة مزاراً يدعون أتباعهم وأنصارهم ليطوفوا حوله وبه..

 لا شك أن يدين العاقل بالشكر لمخالف أو خصم يراقب فكره وسيره، ثم يرصد ما في هذا أو ذاك من خلل أو اضطراب حقيقيين، ثم يجعل من ذلك مخرجاً أو باباً للنقد أو التهوين أو ما شاء بعد.. لأن هذا المخالف أو الخصم أو العدو العاقل يقدم من حيث لا يشعر لعاقل يقابله النصح مباشراً أو غير مباشر.

 أما ذاك الذي يسيء الفهم، أو يسيء التفسير، أو يخطف العناوين فليس على أبي حنيفة من بأس إن مد رجله وهو يقرأ ترهاته وافتراءاته وتحامله.. وكأنه بما يقدم من أوهام وأباطيل وما يصف من سمادير، يقر لخصومه أو لمن يريد أن يهدم ركنه، بعصمة عن خطأ لا يدعيها، وبعد عن خلل حقيقي يجعله يتعلق بأوهام ويدين بأباطيل، وما يورده عليهم من ترهات وإن كان يجوز على (العشيان) من أمثاله فإنه لا يجوز أبداً على أصحاب المدارك والعقول، وكلهم حين يقرأ ما يورد ينشد

هل صح قول من الحاكي فنقبله

أم كـل ذاك أباطيـل وأوهـام

 إن تجربة العمل الإسلامي بما تمثله من قداسة وأهمية بحاجة إلى عملية تقويم مستدامة، تقويم حقيقي ينطلق على قاعدة العدل ويزن الأمور بميزان القسط تلك حقيقة ليست موضع مراء عند أحد.

 وتقويم هذه الحركة بما لها وما عليها. واقتراح الحل الأمثل لإنجاح مشروعها، أصبح إلى جانب كونه ضرورة شرعية إسلامية، ضرورةً حضارية إنسانية في إطار الحرب التي يفرضها الآخرون على حضارة هذه الأمة، والحرب التي يفرضها بعض المتلبسين بهذه الحركة على الناس أجمعين. وهي ثالثا ضرورة قومية لأن المشروع الإسلامي اليوم هو المشروع الأول الذي يجد حامله الشعبي الممتد من المحيط إلى المحيط، ومحموله الحضاري الإنساني المتمثل في منهجية الإسلام المفتوحة على الإنسان في الزمان والمكان.

 تقويم التجربة واجب الحركة الإسلامية أولاً لأن من حق الأمة، التي أمّلت في قيادة راشدة، تجنبها الإحباطات التي قادت إليها الزعامات خلال قرن من الزمان؛ أن تدرك  أملها.

 وعلى أبناء هذه الحركة أن يدركوا أن (حسن النية) وحده ليس كافياً، وأن صدق العاطفة لا يصنع إنجازاً، وأن للإنجاز شروطه ومداخله ومخارجه وأدواته ووسائله..

 إن فجيعة الأمة المسلمة بالمشروع الإسلامي في أبعاده المختلفة ستكون أكثر قسوة وأعمق فتنة من كل فاجعة أو نكبة أو نكسة سبقت.وهذا ما يفرض على قيادات الحركة الإسلامية وقواعدها وأنصارها أن يبقوا دائماً تحت قوس المراجعة؛ فلم يضرّ عمر أن يقول في أكثر من موطن (لو استقبلت من أمري ما استدبرت..)

 وعلى رجال الحركة الإسلامية، أن ينزعوا عن أنفسهم سوء الظن المسبق بنقد المخالفين، وسوء التفسير لمواقفهم، وأن يزنوا بميزان الحق والشرع والفهم المستنير كل ما يقال فيهم وعنهم ولهم. وأن يطّرحوا عنهم الخوف على الحركة فصخرتها أرسى من موج وأصلب من قرن.

 وعلى النخب الفكرية والثقافية والسياسية أن تتعامل بإيجابية نصح مع المشروع الإسلامي. أن تشير بأصبع صدق إلى موضع خلل، وإلى تحذير من ثغرة خوف. فالمشروع بأبعاده وخصوصيته لم يعد مشروع حزب أو جماعة أو فريق. بل هو مشروع قابل ليكون حامل مشروع نهضة أمة، إذا فهم على وجهه، وعلى أسسه و منهجه ، لنتعامل بحق مع (ما يعد به الإسلام) حسب تعبير (رجا غاروي). دعونا نتعاون على تسديد التجربة على هذا الأساس.

 إنها ليست دعوة للذم بالحق والباطل. وإنما هي دعوة للنقد البناء والتسديد الإيجابي علّ أمتنا تجد منفذا إلى ساحة وجود حقيقي تظللنا جميعا ببعض ما نحب ونريد

              

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

للاتصال بمدير المركز

00447792232826

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية