أسرار النجاح في كتابة النص

د. هوار بلّو /العراق

[email protected]

أوضحت في المبحث الأول أنّك إذا أردْتَ يوماً أنْ تكون مميّزاً بين أصحابك و زملائك ، فما عليك إلاّ أنْ تقرأ كثيراً لتتمكن من صقل شخصيتك و توسيع مدارك عقلك و إثرائها بين الناس . و بناءاً على ذلك فإنّ الشريحة المميّزة في المجتمع هي الشريحة القارئة ، و لكن ألفَتْنا إنتباهك أيضاً أنّ القراءة بحد ذاتها هي ليست غاية ، و إنما هي الوسيلة التي توصلك إلى غاية أسمى ، ألا و هي المعرفة الإنسانية و الإجتماعية .

و لكن هل سبق لك أن فكرت يوماً ما أنْ تكون مميزاً على مستوى الشريحة القارئة؟

هل سبق لك أن فكرت بأن تحسبك الشريحة القارئة في المجتمع (و التي تعتبر أرقى شرائح المجتمع كما ذكرنا) ، أن تحسبك هذه الشريحة قدوة لها؟

هل فكرت بأن تتطلع هذه الشريحة الى علوّ المنحدر الذي تسلقْتَهُ في المجتمع؟

الناس كلهم في المجتمع يحسدون الشريحة القارئة ، من حيث يدرون أو لا يدرون؟ و الشريحة القارئة تنظر إليك و هي تتمنى أنْ تحظى بالشرف الذي حُظيت به؟ كم هو كبير هذا الشعور إنْ استطعت أن تحظى به في يوم من الأيام.

ألا ترى معي أنّ هذه المرتبة العالية تُُسيل لعاب الإنسان و تُفتّح شهيته للعمل بجد و نشاط؟

أيّها القارئ ؟ هل تريد أن تحظى بهذا الشرف الرفيع من بين كل القراء؟ فأنت وحدك المؤهل للنيل بهذا الشرف من بين كل الناس.

إذا أردت ذلك فعليك أن تميّز نفسك عن القراء ، فتكون (كاتباً) بعد أنْ كنت قارئاً .. عليك أن تكتب للناس ، تكتب لهم الكتب و المقالات و النصوص المفيدة؟

إنّ أعلى مراتب الجود و الكرم هي أنْ تهب الناس شيئاً تعزّه كثيراً ، و أنت لكونك قارئاً و تحب القراءة كثيراً ، فإنك بكل تأكيد تعزّ القراءة كثيراً ، و حينما تقرّر أن تهب الناس جزءاً من معرفتك التي حصلت عليها أثناء سهرات القراءة الطويلة حينها تكون إنساناً جوّاداً و كريماً في عيون أصحابك و زملائك ، خاصة في عين الشريحة القارئة ، فهي الشريحة التي تقدّر قيمتك الحقيقية في المجتمع؟ و لكن عليك أنْ تنتبه كثيراً أيها الكاتب الكريم ، فإنّ الكتابة مثل القراءة تماماً ، هي بحد ذاتها ليست غاية ، و إنما هي الوسيلة التي توصلك إلى غاية أسمى ، ألا و هي التأثير في الناس و تغييرهم نحو الأفضل . فبكونك كاتباً يمكنك أنْ تجلب السعادة و الرقي لمحيطك الذي تعيش فيه .

لم يتفق فلاسفة العالم قديماً و حديثاً على الحقيقة الواحدة ، قد نرى تشابهاً بين وجهات نظرهم و قناعاتهم حول الحقيقة الواحدة ، و لكن إتفاقهم على الحقيقة الواحدة بالإجماع لم يحدث في تأريخ الفلسفة حتى الآن . حتى وجود الله ، و الذي يعتبر الحقيقة العظمى في هذا الوجود ، حتى وجوده لم يسبق للفلاسفة أن أجمعوا عليه كلهم . فقط هناك حقيقة واحدة أجمع الفلاسفة عليها قديماً و حديثاً ، ألا و هي : (أنّ سعادة الإنسان تكمن في عطائه و ليس في أخذه) ، أيّ أنك مهما أخذْت من هذه الدنيا ، و مهما جمعت فيها من الثروات و الأمتعة و المعجبين و المعجبات ، و مهما أخذت من الدنيا من ملذات و شهوات و لحظات مرحة ، فإنك لن تجلب بذلك السعادة لنفسك ، و لكنك إذا وهبت للناس شيئاً واحداً من الأشياء التي تعزها ، سواء كان هذا الشيء مادياً أو معنوياً ، فإنه يمكنك بذلك التصرف التافه أنْ تشعر بلذة كبيرة في أعماق قلبك . سوف تشعر بأنك إنسان مفيد تستطيع أنْ توصل الخير للناس ، فهم غدوا لا يجدون منك إلاّ الخير ، و هذا هو مفتاح السعادة الحقيقية ، و قد أجمع على ذلك كل الفلاسفة قديماً و حديثاً ، و لم يختلف على هذه الحقيقة إثنان منهم . فالكاتب حينما يكتب يكون واهباً في المجتمع ، إنه يهب المجتمع و يعطيه أعزّ شيء عنده و لا ينتظر منهم معروفاً مقابل ذلك ، و هو حتى حينما يقرأ يفعل ذلك ليستطيع أن يكتب للناس ، فإنك لا تستطيع أن تكتب من غير أنْ تقرأ و تجمع لنفسك قدراً هائلاً من المعرفة و المعلومات . فقديماً قالوا : فاقد الشيء لا يعطيه . فأنت بذلك تكون كالنحلة تماماً ، تعمل ليلاً و نهاراً ، تنتقل من زهرة لأخرى ، لتجمع في بطنها عسلاً صافياً ، ثم تهب ثمرة جهدها للناس بمنتهى السهولة و هي تأمل من صميم براءتها أن يجلب ذلك العسل لهم الشفاء العاجل.

لا أريد أن أسهب كثيراً في حديثي . و لكن أريد أن أقول لك شيئاً مهماً ، فإذا قررت أن تكون كاتباً ناجحاً بين الناس ، فما عليك إلاّ أنْ تتعلم طرق الكتابة الناجحة ، لتستطيع أن توصل المعرفة التي حصلْت عليها من القراءة الكثيرة إلى الناس من حولك .

إن طرق الكتابة الناجحة كثيرة ، و يسعدني أن أنقل لك أهمها ، و هي طرق عالمية أجمع عليها الخبراء و المتخصصون في هذا المجال ، في الولايات المتحدة و بريطانيا و كندة و أستراليا و نيوزلندة و غيرها من الدول المتطورة . و هي في الحقيقة خطوات عملية عليك أن تمر بها أثناء كتابتك لأي نص كتابي قبل أن تحرر مسودتك النهائية ، و يمكن إجمال هذه الطرق و الخطوات فيما يلي :

السر الأول :

(الكتابة هي عملية تكرارية)

أيّ أنك حتى تكون كاتباً ناجحاً في أعمالك المنشورة و المعروضة على الناس ، ينبغي عليك أن تعيد كتابة نصك مراراً و تكراراً ، و تراجعه بدل المرة عشراً في كل مرحلة تمر بها أثناء عملية كتابتك للنص . فقوة المجهود الكتابي الذي تقوم به تكمن في هذه الطريقة ، و قد أثبتت جدارتها كثيراً . فلا تتوقع أن يكون هناك كاتب ناجح لا يقوم بهذه العملية . الكاتب الناجح يكتب ، ثم يرجع في منتصف الطريق ليمسح ما كتبه ، و يكتب شيئاً آخر مكانه . و قد تراه ينهض من نومه في منتصف الليل ليضيف شيئاً إلى نصه الذي يكتبه أو ينقص منه شيئاً آخر . إنه يتراجع في الكثير من الأحيان ليفكر مرة أخرى ، فلعله يستطيع أن يكتب بأسلوب غير الذي استعمل حتى يؤثر في غيره .

السر الثاني :

(يجب أن تجعل من نفسك ناقداً لعملك باستمرار)

يجب أنْ تقرأ نصك الذي تكتبه و تقوم بانتقاده بنفسك . كالمجنون الذي يخاطب نفسه بنفسه تماماً . و لكن بالطبع لست مجنوناً فأنت إنسان راقي و مبدع . عليك أنْ تضع نفسك مكان قارئك و تقوم بانتقاد النص الذي كتبته بنفسك . قم بقراءة نصك بعناية فائقة و قيّمك أوجه الضعف و القوة في كتابتك . و عليك أنْ تتذكر أنّ هذه العملية ليس لها وقت معيّن في مسيرة كتابتك للنص ، بل هي عملية مستمرة في كل مرحلة تنجزها أثناء الكتابة . عليك أن تقوم بانتقاد نصك في كل مرحلة تمر بها أثناء كتابتك له. إبتداءاً بمرحلة إبداع الأفكار و إنتهاءاً بمرحلة تحرير المسودة النهائية .

السر الثالث :

(قم بإبداع أفكارك قبل كتابة النص)

عليك أن تفكر كثيراً لتجلب أفكاراً جديدة للموضوع الذي تريد الكتابة عنه . و قد تستطيع أن تحسن أفكارك كثيراً عن طريق محادثتك مع الأصدقاء و الزملاء بشأن الموضوع الذي تود الكتابة عنه . ببساطة يمكنك عن طريق التحدث مع أصدقائك و زملائك الذين تثق بمستواهم أن تحصل على أفكار جديدة حول الموضوع . فقد يكون لصديقك أو زميلك رأياً في الموضوع الذي تطرحه ، و قد يقلب هذا الرأي أفكارك رأساً على عقب . هناك مثل كردي يقول : (في كل رأس عقل) ، و هي مقولة تحتاج الى أن تثق بها أثناء عملك الكتابي . لأنك في النهاية إنما تكتب للناس من حولك ، و لا حاجة لأن تطرح نصاً و قد اكتشفتَ مسبقاً بأن الناس لا يمكن أن يعجبهم ذلك الطرح . عليك أنْ تسأل غيرك عن طرحك لتستطيع التواصل بأفكارك و معلوماتك مع قارئك .

السر الرابع :

(قم بترتيب أفكارك قبل كتابة النص)

عليك أن ترتب أفكارك في رأسك بعد أن قمت بإبداعها عن طريق التفكير و المناقشة مع الأصدقاء و الزملاء . فكر كيف تخطط للإنتقال من فكرة إلى أخرى و بطريقة تلفت من خلالها إنتباه القارئ . فكّر كيف ترتب أفكارك بأسلوب يأسر إنتباه القارئ فلا يجد بداً من الإستمرار على قراءة النص الذي تضعه بين يديه. و يمكنك أنْ تناقش صديقاً أو زميلاً لك في هذه الخطوة أيضاً ، فلا تنس المثل الكردي الذي ذكرناه لك قبل قليل . و لكن و أنت تقوم بذلك لا تنسى بأنْ تكون ناقداً لنفسك في كل خطوة تخطوها.

السر الخامس :

(قم بكتابة المسودة الأولى للنص)

فحينما انتهيت من إبداع أفكارك و ترتيبها ، و ربما قمت بمناقشتها مع صديقك أو زميلك . عليك أنْ تقوم بكتابة المسودة الأولى للنص ، و تبذل من خلالها كل ما أوتيت من جهد و خبرة . قم بكتابتها و مسحها و تعديلها مرة تلو الأخرى و استعمل مهارتك النقدية في ذلك ، حتى و إنْ أجبرك ذلك على السهر عدة ليال . قم بتمزيق ألف ورقة و ورقة . المهم في الأمر أن تحصل في النهاية على عمل يرقى الى مستوى طموحك .

السر السادس :

(أعط مسودتك الأولى لقارئ ناجح)

يجب أن يكون للشخص الذي تعطيه مسودتك الأولى خبرة جيدة في هذا المجال . حتى إذا لم تكن له محاولات في مجال الكتابة ، فينبغي له أنْ يكون قارئاً ناجحاً على الأقل ، لكي يقوم بمراجعة النص و كتابة الملاحظات و المقترحات ، و التي حتماً ستجد منها الفائدة في تطوير نصك .

و علي أن أعطيك معلومة مهمة في هذا المجال ، فإنك قد تواجه صعوبة في التعرف على شخص بهذه المواصفات لتعطيه النص الذي تكتبه . لذلك كان لزاماً على الكاتب في كل مكان و زمان أن يتعرف على أهل الثقافة و المعرفة و يوسّع علاقاته الإجتماعية و صداقاته مع هذه الشريحة الراقية في المجتمع ، فهو حتماً سيجد منهم الخير و الفائدة ، لأن التركيبة النفسية لهذه الشريحة تمنعهم من أنْ يبخلوا على الناس بعطائهم .

السر السابع :

(خذْ النصائح التي تلقيتها من القارئ بعين الإعتبار)

قم بمراجعة الملاحظات و المقترحات التي تسلّمْتها من صاحبك ، فهي مهمة جداً . لا تهمل أيّ واحدة من نصائحه ، فحتى إذا لم تقتنع بوجهة نظره في نقطة ما ، فعليك أنْ تحسب حساباً كبيراً لما يقوله ، فهو مثلك صاحب خبرة في هذا المجال و لا تستهن بنصيحته .

السر الثامن :

(قم بكتابة المسودة الثانية للنص)

أثناء كتابتك للمسودة الثانية ، أعد كتابة العبارة مراراً و تكراراً . إذهب إلى العبارة التالية و ارجع مرة أخرى العبارة السابقة . قم بإجراء التعديلات ، حتى تنهي من كتابة مسودتك الثانية ، و التي حتماً ستكون أحسن و أجمل من المسودة الأولى .

السر التاسع :

(أعط مسودتك الثانية لكاتب محترف)

حتماً عندما تقرر أنْ تكون كاتباً ، فعليك أنْ تتواصل مع الكتّاب من حولك كما أخبرت قبل قليل . تتواصل معهم بالصداقة و الضيافة و الزيارة . و الملاحظات و المقترحات التي ستتسلمها من هكذا كاتب حتماً ستكون بمثابة الدّرر و المجوهرات . فهذه الملاحظات قد تكون قواعدية صرفة ، و قد تكون متعلقة بترتيب الأفكار أو طريقة سردها و ربطها . و لكن على أية حال ، عليك أنْ تقف على كل واحدة منها بتأمل و تمعن لتستفيد منها أثناء كتابتك لمسودتك النهائية .

السر العاشر :

(قم بكتابة مسودتك النهائية و تحريرها)

بعد أن تقف على كل ملاحظة تلقيتها من كاتب محترف ، عليك أن تقوم بتحرير مسودتك النهائية التي ستضعها بين يدي القارئ ، آملاً أن يجد في رياضها متعة القراءة و نشوة الاستساغة . و كتابة هذه المسودة بكل تأكيد هي أخطر خطوة تخطوها في كتابتك للنص ، فعليك أنْ تكون شديد النقد لعملك لدرجة تقارب الوسوسة ، تكتب و تمسح و تمزق ، بدل المرّة عشراً . فلا فائدة من مقترح يراود خيالك أو ملاحظة يتلبّد بها ذهنك بعد أنْ يصبح النص بين يدي قارئك . أليس كذلك؟

و أخيراً أيها الكاتب الكريم .. بإنجازك لهذه الطرق و الخطوات في كل مرة تكتب فيها نصاً كتابياً ، ستكون قد قدّمت لقرّائك عملاً يرقى إلى مستوى طلبهم ، و ستترك في نفوسهم لمسات سحرية لم تتوقعها أبداً . بل أكثر من ذلك ، فقد تجد معجبيك و محبيك أينما حللت و نزلت بمجرّد أنْ يعرفوا أنك الكاتب الفلاني ، حتى من غير أنْ يتعرفوا عليك شخصياً .

حرصاً على الامانة العلمية ، فقد تم الاستفادة من هذا المصدر :

English for academic study : Writing course book / Anne Pallant / 2nd edition / published by Garnet publishing Ltd. 8 southern Court. South street. Reading RG1 4QS, UK / 2004 University of Reading's centre for Applied Language Studies.