داعش والغبراء

عزة مختار

[email protected]

في جولة جديدة لجون كيري المبعوث الأمريكي للمنطقة ينتقل فيها بين مصر لمجموعة من البلاد العربية لمحاربة ما يسمي بتنظيم داعش الإرهابي _ فتصير داعش حجة غبراء للاصطياد جيوش العرب _ ، والذي يهدد المنطقة كلها بعد أن قتل البعض في منطقة أصبح القتل اليومي فيها خبرا يقل أهمية عن الخبر الرياضي في أي فقرة إخبارية ، ووضع جون كيري مصر الانقلابية في مقدمة المنظومة المقاومة لحرب برية في الشام ضد هذا التنظيم الإرهابي الذي حرك لشدة إرهابه القوي من الوجه الأخر للكرة الأرضية وجعل أمريكا رسل بمبعوثها لحل تلك الأزمة الجديدة

لم تتحرك أمريكا لمقتل الآلاف بالأسلحة الكيماوية في سوريا ، ولم تحركها المذابح اليومية في العراق وليبيا ، ولم يقض مضجعها آلاف من الشهداء ارتقوا في يوم واحد في أبشع مذبحة في التاريخ في رابعة العدوية في مصر ، ولم يحركها انقلاب عسكري أعادنا إلي القرون الوسطي ، ولم يحركها ذبح الآلاف من المسلمين في أفريقيا الوسطي  وبورما ، وإنما حركتها حركة مجهولة التمويل نبتت في الشام  أتت لتحرك لها الجيوش وتوجه لها الطعنات وتتهمها بأنها لا تتحلي بخلق الإسلام السمح ، ويأتي جون كيري أخيرا ليحدثنا عن أخلاق الإسلام السامية المتسامحة

ولن أعدد هنا مدي الخراب الذي يمكن أن يحل علي المنطقة حين يجتمع كيري أمريكا العدو الأول للإسلام ، مع سيسي مصر الانقلابي الذي تعهد بمحاربة كل ما يمت للإسلام بصلة ، مع المدعو خادم الحرمين ، وهو في نظري أشد عداوة للإسلام من الصهاينة ، بل هو صهيوني العرب ، والسبب الأكبر في البلاء في تلك المرحلة

ما يمكن أن يحل بنا إذا اجتمع هؤلاء ، وقد رأينا نموذجا لما يمكن أن يكون في الانقلاب العسكري في مصر وقد قاده هؤلاء الثلاثة بالإضافة إلي الإمارات خائنة الثورات العربية 

في رأيي أن السيسي جاء لمهمة معلنة هو يعلمها جيدا ، ومهمة أخري ربما هو لا يدري عنها شيئا ، لكنه يسير في تنفيذها رغما عنه حتى يستطيع الاستمرار في السير في المنعطف الخطير الذي جر البلاد |إليه بخيانته ,

المهمة الأولي المعروفة وهي عرقلة المشروع الإسلامي الذي بدأه الرئيس المنتخب محمد مرسي منذ اليوم الأول لتوليه ، ومحاولة إظهار فشله في مواجهة المشكلات المفتعلة والمتعمدة التي قام بها جهاز المخابرات بالاشتراك مع العسكر كقيادة ومع الجهاز الإعلامي والشرطي والقضائي ومؤسسات الدولة العميقة كجهات منفذة ، وإلصاق ذلك الفشل  للتجربة الإسلامية كلها ، وأن الإسلام كدين لم يعد قادرا علي القيادة وحل مشكلات البلاد التي استعصت علي الحل ، وأنه علي الشعب أن يسلم لأي تجربة أخري مهما كانت درجة حمقها فهي في حقيقتها أفضل من تلك التجربة التي أثبتت فشلها بعد ثورة وحريات بحث عنها الشعب طويلا 

وفعلا نجح الانقلاب بقيادة السيسي والمؤسسات المذكورة ، وسقط من سقط وحدث ما نعرف ، وانقلب من تم خداعه من الشعب أملا في الحصول علي حياة أفضل كما وعدوه وغرروا به 

وأما الهدف الغير معلن ، سواء يعلمه المجلس العسكري أو لا يعلمه فهو في نظري مخطط القضاء علي القوة الوحيدة الباقية في منطقة الشرق الوسط ، أو الجيش النظامي الوحيد المتبقي _ بعد توريط الجيش العراقي في حرب الخليج والقضاء عليه بطريقة مضحكة للعالم ، وبعد إنهاك الجيش السوري إن كان ثمة جيش _  وعدم النهوض به ، وتوريطه في حروب لا قبل له بها ، خاصة بعد تلك النقلة النوعية التي حاول الرئيس مرسي أن ينقله إليها ولكنهم لم يمكنوه ، و بالطبع لن يكون ذلك في مصلحة أي كيان سوي الكيان الصهيوني الغاصب في المنطقة ولأول مرة في الحقبة الحالية تقف مصر حائلا دون ضرب غزة الفلسطينية بتهديد مباشر بالتصعيد من رئيس مصري منتخب ، فقد وضع مصر علي خط آخر غير الذي أريد لها ، وارتدع الصهاينة لأول مرة ولم يجرؤوا علي ضرب رصاصة واحدة صوب أهلنا في غزة  فأصبح لزاما عليهم الخلاص من تلك القوة وقد بدؤوها فعلا بالانقلاب العسكري بمباركة الجميع لولا ذلك المد الشعبي الذي لم يتوقف بالشوارع المصرية لكانت نجحت خطتهم وأصبحنا في التاريخ خبرا .

استجاب السيسي للزج بالجيش في فخ داعش في مقابل الضغط الكبير علي دولة قطر لتضغط  بدورها بعض قادة الإخوان فيها ظنا منهم أن ذلك يمكن أن يؤثر علي المسار الثوري في الشارع أو يهدئ من حدته ، وقد نسي هؤلاء أن الأمر لم يعد بيد قائد أو فرد وأن الشارع الآن يحكم نفسه في تحركاته وأن كل شاب في الجماعة هو قائد يستطيع أن يحل مكان أي قائد آخر .

 وربما يتساءل البعض وماذا بعد القضاء علي جيش مصر ، ولماذا ؟ وأعتقد أن الجواب لا يحتاج لجهد ، فالمطلوب أن تستأنس مصر ، حتى تتم عملية التقسيم التي يعدوا لها بسلاسة ، وحتى يتم ترسيم المنطقة كلها من جديد حسب التصور الصهيوني .

وليس معني كلامي أن هذا ما سيتم بحذافيره ، فهذا مخططهم ، لكنهم وضعوه تحت اعتقاد موت الثورة بعد فض رابعة ، لكنهم فوجئوا بأن ميادين مصر تحت كل الضغوط أصبحت رابعة ، وفوجئوا بفشلهم في إدارة البلاد ، وفوجئوا بعدم قدرتهم علي سد حاجات الناس فبدأت الخيوط تفلت من بين أيديهم ، وما عادت أمامهم سوي القبضة الأمنية الشديدة ، التي لا تزيد الشعب إلا إصرارا وتحدي بعدما كثر القتل وهانت الدماء وانكسرت كل حواجز الخوف .

وأخيرا لله كلمة  نحن في انتظارها ، كلمة يعين بها الشعوب المنتفضة الباحثة عن حريتها المتمسكة بحقوقها ، هم يدبرون لكن كلمة الله باقية ، لا تستطيع قوة مهما كانت أن تقف أمام انتفاضة الشعوب أو تواجه مدها الهادر .

حفظ الله مصر وأهلها من كل طاغية مستبد ومن كل معتد جبار.