حول تأجيل تكليف رئيس لحكومة بعد إقالة الحكومة

لمصلحة مَن يا أولي الأبصار ...

زهير سالم*

[email protected]

والنداء على أولي الأبصار يعني أننا تجاوزنا النداء على أولي الألباب ، فنحن فيما آل إليه أمر هذه الثورة على يد هذه المجموعة التي سماها من سماها ممثلة للمعارضة السورية قد انتقلنا في جدالنا من المعقولات إلى المحسوسات حيث المطلوب منا البرهنة على شعاع الشمس وضوء النهار وهيهات مهما كانت البراهين أن يفلح جَدِلٌ في إقناع ...

إن ابسط ما يمكن أن يقوله قائل ، في المسارعة إلى إقالة حكومة قائمة والبقاء بلا حكومة حتى الآن ، هو ما قاله البدوي البسيط في باديته يوم كان يغره لون السراب فيريق ما في قربته أو سقايته من ماء ، فرحا بالماء المتلألئ من بعيد . ثم علمته التجارب ليطلق قانونه الشهير : لأن ترد الماء بماء أكيس ..أو لأن ترد الماء بماء أحزم ، وكلا الكيس والحزم قد فاتا الذين سارعوا إلى الحل وناموا عن العقد ..

لا نناقش هناك دور حكومة السيد أحمد طعمة ، ولا طبيعة أدائها ؛ ولكن ألم يكن الأولى بالذي يسمع ويرى أن يترك هذه الحكومة ماضية في مشروعها ، مؤدية لما تقدر عليه من الخدمات المطلوبة منها حتى ينضج بديلها ، فتكون هناك جلسة واحدة ، تحجب بها الثقة عن حكومة ويعهد فيها العهد إلى أخرى ، يكون قد تم تحديد مفاصلها والاتفاق مع ( ولي الأمر ) على وزرائها ومساعديهم ووكلائهم وبرنامجهم وما هو المطلوب منهم .

لقد تم إطلاق النار على حكومة السيد أحمد طعمة في الثاني والعشرين من تموز 2014 . وقد سبقت هذه الحكومة إلى تقديم بعض ما قدرت عليه ولنقل على مستوى الخدمات . وكلمة الخدمات تعني تقديم نوع من المنفعة المادية والمعنوية للسوريين الذين يحتاجونها في المناطق المحررة حيث أصبحت الحاجة قائمة وملحة إلى كل شيء . وأصبحت قاعدة أي شيء خير من لا شيء هي القانون السائد. ولكن الذين لا يبالون بمنفعة الشعب السوري ، ولا يرون أنفسهم مسئولين عن رفع الضر عنه  ، وعن الاهتمام باحتياجاته ؛لم يبالوا أن يحكموا الإغلاق للحنفية التي كانت تقطر على الشفاه المتشققة ببطء ...

أطلقوا النار على حكومة السيد طعمة في تموز ثم كان الوعد أن يتم تكليف رئيس الحكومة البديلة في الدورة نفسها ثم تبع تموز آب ، وبشروا أنهم سوف يلتقون في أيلول أي بعد أسبوع من الآن .. اليوم يخرج علينا  السادة المتآلفون بأنهم لكثرة أشغالهم وأسفارهم قد قرروا دفع جلسة اختيار رئيس حكومة بديل شهرا آخر أي إلى منتصف شهر تشرين أول ..

ونحن لا ندري حتى ذلك الموعد هل يلتقون ؟ وإذا التقوا هل يتفقون ؟ وإذا اتفقوا على رئيس الحكومة هل توزيع حقائب سائقي الوزراء سيتوافقون ؟!

حكومة السيد أحمد طعمة عدا عما قدمته من خدمات ، أي من منافع للشعب السوري ، قد شُكلت في ظرف دولي حصلت فيه على ما استحقت من اعتراف ، وأصبحت بذلك جديرة بسد ثغرة في بنية التمثيل القانوني للثورة والشعب السوري . وكانت حكومة السيد طعمة ستفرض نفسها على السيد نبيل العربي وهو يتعلل في حجب مقعد سورية عن ثوارها لغياب الحكومة كما يقول . لا نعتقد أن أي حكومة ستتشكل في هذا الظرف الدولي الذي يولي وجهه عن الثورة السورية لن تحظى بالاعتراف الذي حصلت عليه حكومة طعمة من قبل .

إن الذين تعجلوا في إقالة حكومة السيد أحمد طعمة المؤقتة في أصلها دون أن يكونوا قادرين خلال ثلاثة أشهر عن تشكيل بديل عنها ، قد تعجلوا بل تعسفوا في استخدام الحق الذي وضعته الثورة في أيديهم .

وهم في تعجلهم هذا لم يسيئوا إلى فريق من العاملين الجادين من أعضاء الحكومة فقط ؛ بل أساؤوا إلى المستضعفين من أبناء سورية في أصعب لحظات خصاصتهم . أساؤوا إساءة تتجاوز عتبة سوء التقدير ، والتفريط في مصالح الناس إلى درجة الخيانة للأمانة التي استرعاهم الله إياها، بغيا وعدوانا ..

ويبقى الخطاب في هذا السياق للمسترسلين من أولي البقية الذين ما زالوا يجدون لأنفسهم مندوحة للبقاء في كنف هؤلاء ...والسير في ركابهم ، والطرق على حديدهم والتغطية على تخبطاتهم  ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية