صراع الثقافات بين الشرق والغرب

صراع الثقافات بين الشرق والغرب

(25/9/2009م)

تحسين أبو عاصي *

– غزة فلسطين –

[email protected]

عندما اجتاحت أمريكا وحلفاؤها أرض العراق ، لم تضع شارة الصليب على دباباتها جزافا ، وعندما صرّح جورج بوش الابن أن الحرب على العراق هي حرب صليبية ، ثم بعد أيام تراجع عن تصريحه ، فلم يكن أيضا ذلك جزافا ، ومن المعروف أن جورج بوش الابن يعتبر أحد قادة الصهيونية المسيحية ، التي تدعم بقوة دولة الكيان ، والعالم العربي ينزلق نحو هاوية العولمة على الطراز الصهيو أمريكي ، الذي نجح في حرف الصراع المركزي إلى صراعات أخرى جانبية مثل : سني وشيعي ، وسني مع سني آخر ، والخطر الفارسي بدل خطر الكيان الذي يستبيح الأرض والكرامة والإنسان ، كما أن العالم الغربي لا يزال يثير نزعات البربر والأقباط والأكراد والأشوريين والأرمن والسريان والكلدان والغجر ، ونزعات الانتماء القومي والعرقي والديني في الوطن العربي .....

إنه صراع بين ثقافتين ، ثقافة الدونية والانهزامية التي أحلت بالأمة العربية ، ليس فقط على المستوى السياسي والفكري والثقافي ، بل حتى على مستوى الأدب والفن ، وآخر صيحات المُوضة والأزياء ، فكيف بالبناء والتعبئة والإعداد ؟ وورث الكثير منا مفاهيماً وثقافة جديدة تنسجم وتتناغم مع الثقافة الغربية ، من بعد أن حُجبت عن عقول ناشئتنا الثقافة العربية الأصيلة ، التي تدعو إلى الوحدة ، وإلى تجذير الانتماء والمحافظة على الهوية ، حتى أنه لا زال بعض سكان الدول العربية لا يجيدون اللغة العربية ويجهلون الكثير عن الثقافة العربية .

وزراء الثقافة العرب يتربعون على عروش وزاراتهم ، وكثير من الكفاءات والإبداعات يتم طمسها عن قصد ، ولم يجتمع قادة الغرب والصهاينة بالكُتاب والمثقفين العرب جزافا ، بل من أجل أن يعيدوا صياغة العقل العربي من جديد ، كما أعادوا صياغة الفلسطيني الجديد وفق ما يروق ويحلو لهم ، وكما أعادوا من قبل صياغة الهندي الجديد ، على نفس النمط والنهج والبرمجة والتخطيط المتبع حالياً .

فالثقافة الغربية تعطي وسام الفارس للكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي ، صاحب رواية آيات شيطانية ، والثقافة الغربية هي التي لاحقت المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينج ، الذي حكمت عليه محكمة نمساوية بالسجن لمدة ثلاث سنوات ؛ بسبب موقفه من خرافة المحرقة اليهودية( الهولوكست ) ، وجاء الحكم على قاعدة القانون الأوروبي { الموحّد } ، الذي يأمر بتعقّب كل مفكر وكاتب يشكك في أسطورة المحرقة ، والثقافة الغربية هي التي كرمّت في السويد الكاتبة البنغالية التي ألفت كتاب العار، وهاجمت فيه الإسلام والمسلمين والمرأة ، واستحقرت العقل العربي .

والثقافة الغربية هي التي سجنت مدير إذاعة الإسلام المغربي أحمد رامي ؛ بسبب أنّه معادٍ للسامية في السويد والغرب..

والثقافة الغربية في سويسرا هي من وراء إصدار محكمة سويسرية أحكاما بالسجن على الكاتب السويسري اللاجئ في موسكو ( يورغان غراف ) بتهم معاداة السامية ، والثقافة الغربية هي من وراء ما حدث للكاتب الفرنسي روجي غارودي , فحكمت عليه محكمة سويسرية بالسجن لمدة سنتين ، بعد أن كتب مجموعة من الكتب عن خرافة الهولوكست ، والثقافة الغربية هي التي ما زالت تلاحق قضائيا روجي غارودي رغم مرضه العضال ، و روبرت فوريسون ؛ بسبب دعوتهما لوضع حدّ لتحكّم اللوبي الصهيوني في مسار التاريخ الأوروبي المعاصر، والثقافة الغربية هي التي احتضنت في سويسرا طارق رمضان ، الذي يطالب بإلغاء الشريعة الإسلامية ، وفي الوقت ذاته تكرّم الثقافة الغربية الكاتبة آسيا جبار التي تكتب وفق الثقافة الفرنسية ، والثقافة الغربية تكرم محمد أركون الذي يحاول خلق إسلام أوروبي جديد يرضي الغرب .

والثقافة الغربية هي من وراء ما صرح به زعيم هولندي أثناء نقاش البرلماني الهولندي لميزانية الحكومية الجديدة ، فقد  عرض كيرت فيلدرز السياسي الهولندي وزعيم حزب الحرية اليميني ،  مقترحاً لتحصيل المزيد من المال لخزينة الدولة ، وذلك من خلال فرض ضريبة على ارتداء الحجاب ، وقال فيلدرز: إن أي امرأة مسلمة تريد أن ترتدي الحجاب ، عليها الحصول أولا على موافقة رسمية ، وقال : يجب أن تدفع المرأة المسلمة التي ترتدي الحجاب ما يقارب ألف يورو سنوياً مقابل الموافقة على حجابها ، ثم قال : بهذه الطريقة نستطيع أن نكسب مالاً من الإسلام .

وأضاف فيلدرز لقد مللنا حد القرف من الحجاب .

في( 10 أغسطس 2009 م ) فتاة فرنسية تتسبب في الحاق الأذى بكلب (أجلكم الله) ؛  فهبت الثقافة الغربية عبر مؤسساتها لتحول تلك القضية إلى قضية أساسية وهامة في المجتمع ، وتحرك آلاف الفرنسيين للمطالبة بحكم القضاء والعقاب ، في الوقت الذي لم تهتز الثقافة الغربية في ألمانيا عندما قُتلت المرأة المصرية مروة الشربيني شهيدة الحجاب وسط المحكمة في ( 11 تموز 2009 م ) ، وأمام القضاة والنيابة والمحامين وجميع الحضور، وأمام أعين زوجها ، في مهد حضارة من يدعون بالديمقراطية وحقوق الإنسان  .

والثقافة الغربية هي من وراء عمليات غسيل الأدمغة الجارية ، ونشر ثقافة الاستسلام ، وتدمير التراث ، واللهث وراء العولمة ، والفوضى الخلاقة ، ومن وراء الثقافة الغربية كان الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة باعتبارها إرهابا ، وهي من وراء خدعة طرح أن كل الأمور المختلف عليها ستحل بالمفاوضات ، وهي من وراء نداء التطبيع مع إسرائيل وحصار غزة وقتل الآمنين .

اعتقال الجواسيس الإسرائيليين وخطف الجندي شاليط ، يهز الثقافة الغربية من جذورها ، واعتقال وقتل عشرات الألوف من الفلسطينيين والعرب والمسلمين ، وتدمير مساكنهم فوق رؤوسهم ، لا وجود لأثره في الثقافة الغربية ، باستثناء فقاعات من هنا وهناك لا تسمن ولا تغني من جوع ، فلا قيمة للدماء العربية في تلك الثقافة ، ولا تثير ادني تفكير في عقول أصحابها .

والثقافة الغربية لا تكترث بآلام البشر ولا بمجاعاتهم في العالم ، خاصة في افريقية ، في الوقت الذي يرفعون فيه لافتات حقوق الكلاب والحمير والقطط أجلكم الله .  

والثقافة الغربية هي من وراء إنشاء مؤسسات تراثية وفكرية وعلمية وإنسانية على طول وعرض العالم العربي ؛ لتستتر من خلفها بستار تقديم خدمات متنوعة من أجل أن تنال من الوعي العربي وتنهش في جسده ، وما مركز ابن خلدون ومؤسسة ابن رشد عنا ببعيد ، والأمثلة على ذلك كثيرة .

ليست كل عناصر ومكونات الثقافة الغربية سيئة ومعادية وعنصرية ، بل إن فيها جوانب مشرقة لا يمكن إنكارها ولا تجاهلها ، والمهم  انه بحكم العلاقة الجدلية التكاملية بين ثقافات الشعوب وحضاراتها ، وبحكم طبيعة العلاقات والارتباطات الدولية ، يجب احترام العقل العربي والثقافة العربية ، إذ أن الاستخفاف بالعقل العربي ومحاربة ثقافته يزيد من صراع الثقافات ، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التطرف الذي يدعو إلى العنف وشطب الآخر ، مما يؤثر على الأمن والسلام الدوليين .

إهدار الثقافة العربية هو إهدار للكرامة العربية ، وسخرية من العقل العربي ، يشارك في ذلك قادة وزعماء عرب ؛ ليصبح العربي بلا تاريخ يستلهم منه ، وبلا أمل يسعى إليه ، وبلا حلم يهدف إلى تحقيقه ، فهل من هبّة ؟ هل من ثورة ؟ هل من تغيير؟ هل من تصحيح ؟ هل من انتفاضة تعيد لنا كرامتنا ؟ .

فلا نامت أعين الجبناء.

               

*كاتب فلسطيني مستقل