شيء عن "الديمقراطية العراقية"

شيء عن "الديمقراطية العراقية"...

عقاب يحيى

وتفرّجت على"الديمقراطية العراقية" " صنع في أمريكا وإيران" في جلسة عرض الحكومة ونيل الثقة..وكيف صارت الأحزاب ـ جميعها ـ تعلن انتماءها الطائفي، أو الإثني بلا وجل ولا خجل، وتتعامل على هذا الأساس، وترشح"حصتها" الوزارية بناء على ذلك..

واندهشت من "عجائب العرب" وتجاربهم.. فالناس، وكما تقول الجدليات الماركسية وغيرها تسير للأمام، ونحن نسير لكن للخلف، والخلف الموغل نستدعيه ونوظفه، ونحتمي به، وندّعي تمثيله..

ـ زمان، وعلى امتداد ولادة الأحزاب السياسيةكان المحدد الفكري هو الذي يحدد الانتماء، ويخلف الفوارق بين التشكيلات السياسية، وحين كرّست الماركسية الصراع الطبقي"محرّكاً للتاريخ" اعتبرت جميع الأحزاب تعبيراً عن قوى وتشكيلات طبقية مهما احتوت من اختلاطات...

ـ وجاء "زمان" سقوط الأديولوجيا.. ونظّر كثير لموتها النهائي وصعود اللاإديولوجيا، واستبدال ذلك بالواقعية النفعية، أو باليافطات العريضة الأقرب للآمواج.. والتي هي أفكار لم تمتحن حتى النهاية ـ للآن ـ ذلك أنه لا يمكن لأي اتجاه سياسي أن يعيش ويبقى متماسكاً دون خلفية فكرية واضحة..

ـ على كل موت الأديولوجيا يبدو أن لا علاقة له بالساحة العربية.. التي تحييّ الموات، وتبعث الرمم وتحقنها بدماء ما على طريقة"عودة الشيخ إلى صباه" فيصبح، مثلاً السيد علي السيستاني القائد السياسي العام، والمباشر لكل الشيعة بمختلف اتجاهاتهم السياسية والفكرية ومواقعهم الاجتماعية، وعشائرهم، وتفاوتاتهم,,,وهنا عليه أن يحوّل عمامته وما فيها من تراكمات إلى العصر الحديث لممارسة فعل يومي، وصولاً لتركيب واستخلاص المواقف السياسية المتغيّرة، والتكتيكات المناسبة، بما فيها الألاعيب السياسية، والخدع"البصرية" وغيرها... ثم التوفيق العجيب بين الدين والسياسة، والعقيدة والألوان المتبدّلة .....

ـ الأنكى، والحالة هذه أن الذي يربط الناس، ويحدد خياراتها ليس انتماءها الفكري، ولا موقعها الاجتماعي، ولا مستوى وعيها، وتركيبتها، واختلافها عن بعضها.. وإنما الطائفة، أو الإثنية... وحسب.. أي أن جميع الشيعة هم صبّة واحدة بمن فيهم الشيوعيون والماركسيون والقوميون والمستقلون والطائفيون، ودعاة الإبادة والسلميون والحربجيون، والأمر نفسه ينطبق تماماً على" أهل السنة والجماعة"...أما الأكراد بعشائرهم وأحزابهم، وتلك المسحة اليسارية التي اتسمت معظم تشكيلاتهم بها فكلها تذوب، او تنخّ وتخضع لصالح القومي.. كي يكونوا أكراداً أولاً وأخيراً....وبعدها، بعدها يمكن الحديث عن تصنيفات وتمايزات .......

ـ وقد احترت بالفعل أين يمكن وضع"المستقلين".. وماذا يعني المستقل هنا؟، وعن أي شيء هو مستقل ؟...رغم ذلك، ورغم صفة المستقل دخلوا حلبة المحاصصة ؟؟.....

ـ والطريف، أو المضحك المبكي أن الأمر لم يقف عند"حدود" وجغرافيا، وفلسفة، وكيانات الطوائف والإثنيات ـ احتجاج " المكوّن التركماني" في مكانه المناسب في تلك المعادلة ـ بل انتقل إلى المدن والجهات.. فأهل البصرة، أو"مندوبي البصرة" في "مجلس النواب" يشعرون أنهم غبنوا، وأن تمثيلهم في الحكومة ضعيف.. فقام أحدهم يصرخ.. داعياً "جماعة البصرة" للانسحاب.. ولم يستجب له أحد... ويبدو أنه "غير مسنود"، أو أن العظام المقدمة للبعض أقوى..

ـ العجيب الغريب أيضاً أن دستور"بريمر" الذي يطبقونه يعتبر النائب والنائبة ممثلين للشعب كله.. وليس للجهة، أو المذهب، أو الحزب، أو القومية التي ينتمون إليها، أو نجحوا في قوائمها...لكن"الإبداع" العراقي أشمل.. واقل ذلك تكريس هذه الازدواجية التي ينطبق عليها قول الشاعر مظفر النواب" ...أن الواحد منّا يحمل في الداخل ضده" ...

                                              ******

هذه التركيبات الخلائطية هل يمكنها بناء دولة العراق الواحدة؟؟؟.. بل هل يمكن لها أن تكرس حياة ديمقراطية حقيقية؟.. أم أنها سكاكين شرعية، مشرّعنة في الجسد العراقي، وماصّات دماء ثرواته وخيراته، وقنابل موقوتة ضد وحدته، ومستقبل التعايش بين مكوناته ؟...

ـ بقي أن نزفّ إليكم بشرى كبيرة أعلنها السيد الدكتور حيدر العبادي في بيانه الوزاري: تحويل مليشيات الحشد الشعبي إلى حرس وطني؟؟؟..والكل يعلم أن تلك المليشيات طائفية خالصة، وقامت بناء على فتوى من السيستاني بضغط من المالكي لمواجهة الثورة الشعبية، أو السنية..

أي أننا سنمون أمام حرس وطني طائفي يضاف إلى "جيش" تكوّن في معظمه في إيران من مليشيات طائفية ......