القفص

يسري الغول

[email protected]

جلست في مؤخرة المسرح، وانتظرت كغيري أن يرفع الستار، وتبدأ الشخصيات بالظهور. وبالفعل بدأت وبدأ معها طرق جدران الخزان. بدأ الوجع يطفو على السطح. ففي مسرحية القفص، لمؤلفها ومخرجها علي أبو ياسين، ابن مخيم الشاطئ، ظهرت كل الآلام والجروح دون أن تجد من يغيثها، وصوت هؤلاء الممثلين يغور في الأعماق. وقد كنت أتمنى أن تعرض هذه المسرحية على صناع القرار في الوطن وأن تعرض أيضاً في المنطقة العربية ثم دولياً لترفع صوت المضطهدين والبؤساء الحقيقيين الذين لا يجدون المأوى أو الطعام أو الأمن.

كنت في أثناء العرض الذي تضمن فصلاً واحداً وعدد من المشاهد أتساءل: أي وجع لعين أصاب جسد هذا القطاع؟ هل أبكي على "حنين" التي أصيبت في قدمها فصارت قعيدة، بعدما تم قصف البيت المجاور لبيتهم، أم أبكي أمها التي استشهدت؟ هل نندب حظنا في واقع أصاب المنطقة بالفقر والبطالة، عندما يخرج أحد الممثلين ليقول: بأنه يشعر بما يشعر به الناس لكنه مضطر لبيع "الحلب" حتى يقتات مع أسرته. هل نتحدث عن المشردين ولا يجدون مأوى اليوم بعدما دمر المحتل الأبراج والبيوت؟ أم أبكي معبر رفح المغلق منذ شهور والناس تموت على أعتابه؟ أن نبكي أزمة المشافي أم الكهرباء أم انقطاع المياه لأسابيع؟ أوجاع لا تنتهي، والصوت يخبو دون أن أي رجع للصدى. والحال كما هو في قطاع غزة. دون أن يكون موقف حقيقي من صناع القرار بحل أزماته وإيجاد مخرج لما يعانيه أهله.

مؤسسة عشتار التي قامت بهذه المسرحية، نجحت بشكل كبير في إيصال رسالتها رغم أن أدوار بعض الممثلين كانت بحاجة لمزيد من التدريب، فهي جسدت المشهد والحالة الفلسطينية بشكل واضح كما لا يعبر عنه الساسة. أما عن الحبكة فهي ليست بحاجة لأن تكون أكثر من ذلك التميز والوضوح والقوة، ولعل مؤلف تلك المسرحية وخرجها هو ابن مخيم يعيش المعاناة كغيره من أبناء المخيمات الفلسطينية، بالإضافة إلى أن تسلسل الأحداث في اسكتش واحد، رغم صعوبته إلا أنه كان قوياً ورائعاً والانتقال من مشهد إلى آخر دون عمل انفصال في مخيلة المشاهد، هذا بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية التي كانت مؤثرة للغاية، والاستعانة بالإعلامي البارز محمد الباز للحديث عن الأخبار ضمن أحداث تلك المسرحية أضفى عليها مزيداً من الجدية لتجعل المشاهد في حالة من الخوف كالتي عاشها لأكثر من 51 يوماً.

إن المسرح الفلسطيني بحاجة للحصول على فرصة للخروج من غزة ونقل هذه الأعمال إلى شتى بقاع العالم، لأن الصوت المقموع والمقهور بفعل إغلاق المعبر يجب أن ينفجر ويصدح بكل ما أوتي من عذابات ليصل إلى قلوب وأسماع أحرار هذا العالم، ففلسطين بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي في مواجهة ما تعيشه جراء هذا المحتل المجرم.